لم يصدر عن نقابة الصحفيين الفلسطينيين -حتى كتابة هذا المقال- أي موقف تضامني مع الزميل سامي الساعي، المعتقل منذ مساء يوم الثلاثاء 9 يونيو 2020 لدى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، مثيرة بذلك علامات استفهام كبيرة، وكبيرة جداً، حول مدى تحلي القائمين عليها بالمسؤولية الأخلاقية تجاه زملاء المهنة، ومدى قيامهم بالأمانة المنوطة بهم في الدفاع عن الصحفيين وحمايتهم من تغول الأجهزة الأمنية، لاسيما أن النقابة ذاتها تنبري بعنفوان لإدانة اعتقال أي صحفي في قطاع غزة أو أي انتهاك يمس حرية العمل الإعلامي، وهذا جميل، لكن لماذا يمسها الخوار وتفقد العزيمة حينما يقع الانتهاك ذاته وأكثر وأكبر منه في الضفة الغربية؟!
لا إجابة للسؤال المطروح، سوى التزام النقابة الواضح بأجندة سياسية وارتدائها عباءة حزبية ضيقة، وبالتالي لا يمكن التعويل عليها بحال من الأحوال لتحقيق مصالح الصحفيين وحمايتهم، الأمر الذي يؤكد الحاجة الملحة لإصلاح النقابة حتى تكون معبرة بحق عن آمال وطموح الوسط الصحفي ومدافعة بقوة عن جميع فرسان الإعلام الفلسطيني دون تمييز أو محاباة لهذا الطرف أو ذاك، فليس مطلوباً سوى نقابة مهنية، مهنية فقط وبلا أجندة سياسية حتى تستطيع حماية الصحفيين من سطوة الأجهزة الأمنية، فضلاً عن النهوض بواقع المهنة لمستوى التحديات الراهنة المحدقة بالقضية الوطنية.
والمؤسف حقاً، أنه كلما ازداد وضع النقابة ضعفاً وعجزاً وترهلاً جراء غياب الحراك الديمقراطي الحقيقي في أروقتها منذ سنوات، ارتفعت وتيرة انتهاكات الأجهزة الأمنية ضد الصحفيين وحرية العمل الإعلامي، وتضاعفت فاتورة الصمت على وضع النقابة التي يبدو أن فرسان الإعلام الفلسطيني فقدوا الأمل بإصلاحها بعد سنوات من النضال النقابي من أجل دفع عجلة إصلاحها قدماً، إذ مرت سنوات فيما مضى شهدت تدافعاً نقابياً حقيقياً في الوسط الصحفي الفلسطيني، فيما الواقع الآن يفتقد للحراك الحقيقي، وباتت النقابة في ذيل اهتمامات الصحفي الفلسطيني.
لا شك أن إصلاح نقابة الصحفيين يصطدم بالواقع الفلسطيني المعقد، وهذا بلا شك وضع مريح جداً للطرف المستفرد بها والمستحوذ عليها، إذ يكتفي بترديد شعارات رنانة ظاهرها الرغبة بإجراء الانتخابات، وباطنها “اجت منك يا جامع !”، حيث تفتقد تلك الشعارات لأي استعداد حقيقي وعملي على أرض الواقع، ولا تعدو كونها مجرد إعلانات فارغة المضمون وبلا رصيد، مع الإشارة إلى أن الانتخابات الأخيرة كانت أبعد ما يكون عن الأصول الانتخابية والأعراف النقابية، فضلاً عن غياب النزاهة والشفافية المطلوبة، لاسيما في ظل تغييب أطراف فاعلة في المشهد الإعلامي الفلسطيني.
ويبدو أن النقابة كانت تأمل أن تمر دعوتها الأخيرة لإجراء الانتخابات كسابقتها بمقاطعة الأطر الإعلامية الفاعلة، لتسجل إجراءها الانتخابات وتواصل الاستفراد بالنقابة بعيداً عن إجراءات ذات صلة بالشفافية والنزاهة المهنية والأصول الانتخابية السليمة، لكنها حينما شعرت بإمكانية مشاركة الأطر الإعلامية الفاعلة دفعت باتجاه تأجيل الانتخابات، مسجلة بذلك التجاوب الظاهري مع مطالب الأطر الإعلامية، ومحققة في الوقت ذاته رغبتها باستمرار الوضع القائم.
وما لم تتحرك الأطر الإعلامية المختلفة وبمساندة جموع الصحفيين لإصلاح النقابة، سيبقى وضع بيت الصحفيين يراوح مكانه، بل يزداد ضعفاً وعجزاً، وحينها سيدفع فاتورة ذلك كل صحفي وصحفية، إن لم يكن اليوم فغداً، وما جرى ويجري للزميل سامي الساعي خير عبرة لأولي الألباب، إذ يدفع فاتورة تقاعس النقابة باستمرار اعتقاله في سجون السلطة منذ أسبوعين، وسبقه لذلك الزميل أنس حواري، فيما دفع الزميل إياد حمد الفاتورة بفقدان عمله، وكأن النقابة تقول للأجهزة الأمنية: “امضوا في انتهاك حرية الصحافة وقمع الصحافيين!”.