محمد إسماعيل ياسين
كاتب إعلامي
لا شك أن تلاحق الأحداث والتطورات في المشهد الفلسطيني يجعل الصحفي في دوامة لا تنتهي، ويجعل من الصعب متابعته لمختلف التفاصيل، وأحياناً يبدو الاهتمام بالجوانب الإنسانية للأحداث شيء من الترف الذي لا تسمح به عجلة المستجدات المتوالية، ولا يتيحه سيف الوقت في غمرة التنافس لتحقيق سبق صحفي هنا وآخر هناك، غير أن ذلك، لا يعفي وسائل الإعلام الفلسطينية تحديداً من ضرورة الاجتهاد في نقل الجوانب الإنسانية لحياة شعب يناضل منذ عقود من أجل الحرية والكرامة، ويواجه احتلال متغطرس ومدجج بأعتى أنواع الأسلحة التي لا يتوانى عن استخدامها ضد الأبرياء أمام مرأى كاميرات وسائل الإعلام.
لا يعني ذلك أن هناك إغفال كامل للجوانب الإنسانية، بل هناك تفاوت في مستوى معالجتها خلال تغطية الأحداث المختلفة، لكنها بكل الأحوال لا ترتقي إلى المستوى المطلوب والمأمول، لاسيما في ظل كثافة وغزارة التفاصيل الإنسانية المرتبطة بالأحداث المتسارعة في المشهد الفلسطيني، بل إن الأمر لا يقتصر البتة على الأحداث الراهنة ويتجاوز ذلك إلى نبش أحداث الماضي، فجرائم الاحتلال وانتهاكاته يجدر آلا تغيب عن وسائل الإعلام لقطع الطريق على كل محاولات تطبيع وجود الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، ومنعاً لتزييف الوعي في عقول ووجدان الأجيال الجديدة.
إن توالي جرائم الاحتلال وتعدد انتهاكاته في ظل عقود الصراع الطويلة أفضى لشيء من الاعتياد عليها، الأمر الذي يحول دون منح هذه الجرائم التي يرتكبها الاحتلال على مدار اللحظة حقها من التناول الإعلامي بصبغة إنسانية، إذ يكفي الإشارة لمعاناة أكثر من ستة آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال؛ إذ لكل أسير منهم قصة وحكاية وتفاصيل حري إبرازها للعالم، فضلاً عن معاناة ذويهم وأطفالهم في مختلف مجالات الحياة، وكذا الجرحى الذين فقدوا أطرافهم، والخريجين الذين فقدوا الأمل بمستقبل أفضل جراء الحصار الغاشم، والمرضى المحرومين من فرص العلاج والأدوية، وغير ذلك الكثير.
لا شك أن قائمة ضحايا الاحتلال طويلة جداً، وسجله حافل بالجرائم والانتهاكات التي يشيب لها الغلمان لهول فظاعتها وبشاعتها، ومع ذلك، فثمة جوانب مشرقة تعكس إرادة وعزيمة الشعب الفلسطيني وتمسكه بالحياة الكريمة، ولنا في قصص كفاح أرامل الشهداء الذين يواجهون قسوة الحياة بكل تفاصيلها خير شاهد، وعليه، فأنسنة الإعلام لا تحتاج إلى جهد كبير من قبل الصحفيين ووسائل الإعلام، ولا حاجة لأي “مكياج إعلامي” لإبراز إنسانية القضية الفلسطينية باعتبارها إنسانية بطبيعتها، ويكفي إظهار التفاصيل الإنسانية خلال تناول ومعالجة الأحداث، وعدم الاقتصار على المعالجة الإخبارية المجردة، أو التعامل الرقمي مع ضحايا الاحتلال، والغوص أكثر في تفاصيل مختلف الأطراف ذات العلاقة بضحايا انتهاكات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي، وهنا يحضرني كيف نجحت فلسطينية بلفت أنظار الغرب لمعاناة شعبنا من خلال كتاب حمل عنوان “حماتي والاحتلال”.
ولا زال وجدان العالم يستحضر حادثة استشهاد الطفل محمد الدرة، وما أكثر أمثاله من ضحايا الاحتلال، فأين هم من شاشات الإعلام ؟!، وأين هم من صفحات الصحف والمواقع والوكالات الإخبارية ؟!، وكيف نعيدهم إلى واجهة الأحداث والمشهد الإعلامي؟!، فهذا أمر ينبغي ألا يغيب عن أجندة الإعلام الفلسطيني كخطوة على طريق انجاز سجل وطني بضحايا الاحتلال في مختلف المجالات لإبراز مظلومية الشعب الفلسطيني وفضح كل محاولات تطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال المغتصب لأرضنا ومقدساتنا، وهذا يتطلب إفراد المساحات الإعلامية المهدورة في المناكفات لصالح إبراز الجوانب الإنسانية لمعاناة الشعب الفلسطيني، والكف عن الغرق في مستنقع الانقسام الداخلي، وتغليب المصالح الوطنية العليا، وهنا مربط الفرس.
كما يقع العبء الأكبر في أنسنة المعالجة الإعلامية للأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة على عاتق مراسلي الوكالات ووسائل الإعلام الأجنبية باعتبار أن الصراع على وعي الجمهور الغربي وتضامنه مع حقوق الشعب الفلسطيني وعدم السماح لرواية الاحتلال المشوهة بالاستفراد بالساحة الدولية، وهذا يتطلب تضافر الجهود الرسمية والشعبية على مختلف المستويات، فضلاً عن الحاجة الملحة لمأسسة العمل الإعلامي الموجه للغرب بما يكفل إيصال الرسالة الفلسطينية لوسائل الإعلام الدولية بانتظام وبلغة إنسانية.
ويجدر بالجاليات الفلسطينية بذل مزيد من الجهد لإحداث التأثير المطلوب في المجتمع الدولي وتحشيد الرأي العام الدولي لصالح القضية الفلسطينية للضغط على صانع القرار الغربي، وهذا يتطلب استثمار سجل صور أبرز جرائم الاحتلال الإسرائيلي وأكثرها بشاعة بإقامة معارض سنوية في الدول المختلفة لفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وتعرية أكاذيبه والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني بأن ينعم بالحرية أسوة بشعوب العالم الحر، لاسيما أن الصورة لغة إنسانية بالغة التأثير.