بقلم: أحمد حمودة
أثارت مخاوف الأولياء وطلبة الجامعات عن اعتبار السنة الدراسية الحالية سنة بيضاء وسط تأكيد وزارة التربية والتعليم في فلسطين على استبعاد هذه الفرضية، والتي لم تحدّد بوضوح السيناريو المنتظر في ظل استمرار أزمة وباء فيروس كورونا.
لتتواصل حيرة العائلات بشأن ما تبقى من العام الدراسي الحالي رغم يقينهم أن سلامة وحياة أبنائهم والأسرة والهيئة التعليمية هي في المقام الأول، كذلك أثبت الفضاء الافتراضي وبجدارة أنّه قنديل الفترة الحالية الذي أنقذ أجيالًا من الظلمات.
وهو ما أكدته دراسة قدمناها في إطار أشغال الملتقى العلميّ الدولي الذي نظمته جامعة أحمد دراية- أدرار بتاريخ 6-7 فيفري بالجزائر، والتي جاءت تحتّ عنوان “صعوبات التدريس عن بعد في كليات الإعلام والاتّصال زمن أزمة الكورونا: فلسطين نموذجًا”. هذه الدراسة سعت إلى تقديم نموذج تفسيري لقراءة إيجابيات وسلبيات وصعوبات عملية التّدريس عن بُعد وفهم أبعادها القيميّة والثقافية التي عاشها المدرّسين في كليات الإعلام والاتصال في ظل ما أحدثته وتحدثه التكنولوجيات الرقمية في فلسطين.
إذ اتضّح للباحث بأنّ تجربة “التعليم عن بعد” أو “التعليم الالكتروني” للجامعات الفلسطينية تعدّ مبادرة ابتكاريه ذات أثر استراتيجي تسجّل ضمن انجازات وتجربة فلسطين كدولة متقدمة في مواجهة تهديدات ومخاطر أزمة وباء فيروس “كورونا”.
كذلك ستكون لها مساهمة في تطوير منظومة العملية التعليمية إذ تعدّ بمثابة خطة احتياطية مجربة في حال داهمتنا أيّة مخاطر وتهديدات جديدة، وهذه هي كيمياء الابتكار من أجل استمرارية العمل والحفاظ على سلامة الإنسان في القلب منها.
ومن أبرز النتائج التي توصلت إليها الدّراسة: بعد مناقشة الباحث للعرض المفصل من النتائج لوحظ أن شبكات التواصل الاجتماعية (مجموعات الفيس بوك) بأنها في الحقيقة ليست المكان الحقيقي للتعلّم وهي مكان غير رسمي وفيه اللغة غير حميمية بعض الشيء، وفي هذه الحالة نستنتج بأنّ يتم الاعتماد عليها كمكمّل وليست كمصدر رئيسي للتعلّم.
فيما تبيّن للباحث أن من صعوبات التعليم عن بعد أنه يسهل عملية الغش والانتحال كما ويؤدي إلى الشعور بالعزلة الاجتماعية عند استخدام التعلم عن بعد كما ويصعب التعامل عن بعد في بعض الأحيان بسبب الضعف المعرفي حول تقنيات التعليم المدمج، وأن ضعف المهارات التكنولوجية للطلاب كانت من أبرز الصعوبات والتحديات التي واجهت عملية التدريس عن بُعد لدى مدرسي كلية الاعلام والاتصال، كما ورصدنا التحديات التقنية المتمثلة في الأمية الفنية من مشاكل الصوت وانقطاع الصوت وتوقف جهاز الحاسوب في بعض الأحيان عند شرح الدرس، وعدم التناسق مع بعض المساقات التطبيقية، وعدم الانضباط الذاتي للطلبة في البيئة الافتراضية.
وأثبتت الدراسة بأن عديد كليات الاتصال والإعلام في فلسطين عمدت إلى الانخراط والاشتراك في إجراء نقاشات افتراضية حول قضايا أكاديمية مطروحة حول المنهاج الدراسي المطروح للطلبة زمن أزمة الكورونا، وأن هذه النتيجة لا تتنافى مع أهمية بناء نظام تعلم عن بُعد نتكئ عليه وقت الأزمات والظروف الصعبة، ويكون مساندًا للتعليم بشكل دائم.
إذ يمكن استثمار الفضاء الافتراضي في التعلم عن بُعد القدرة على ضبط إدارة للوقت وتقسيمه بطريقة فعّالة، والسرعة في تنزيل المواد التعليمية والكتب المقررة وتوفير الوقت في وضع درجات الامتحانات وفي طباعة ونسخ أوراق الامتحان، وتوفير عدد كبير من الأوراق والحبر وبالتالي حماية بيئتنا. كذلك أظهرت نتائج المبحوثين بأنّ التعليم الافتراضي هو المنقذ في أوقات الصعوبات زمن الأزمات (الصحية والإنسانية والبيئية)، إذ ساهم في إيجاد الحلول لبعض الصعوبات الشخصية لبعض الطلبة، والمتمثلة في الإعاقات الجسدية، والأزمات الصحية، ومشاكل النقل والتنقل، وقيود العمل للطلاب الموظفين وأرباب الأسر المتعلمين. كما أنّه يمكّن الطلبة من تلقي الدرس في المكان الأنسب لهم ويساعدهم في تطوير المعرفة بالكمبيوتر والانترنت. وأوصت الدّراسة إلى ضرورة تثمين دور الفضاء الافتراضي في تأمين استمرار العملية التعليمية، ولا بد من التفكير بجدية في مزج الأساليب التدريسية لا سيما في المساقات النظرية، حتى تتجذّر التجربة أكثر وحتى تكون هناك جاهزية للطاقم التدريسي في التعليم المندمج ممتازة. ولا بد من تخصيص الدورات والورشات التكوينية للأساتذة والطلبة من أجل حذق نموذجي لتكنولوجيات التدريس ومنصات التعلّم الافتراضية في مجال نظام إدارة التعلّم عن بُعد، ومواكبة التحديثات الآنية وعرض مكافأة للمتميزين من مستخدمي التعلّم عن بعد، وتصميم برامج إعداد مدرس التعليم عن بعد بما يتناسب ومعايير الجودة المحلية والعالمية في ضوء الاتجاهات التربوية والتكنولوجية الحديثة. كما دعت كليات الإعلام والاتصال في فلسطين أن تزيد من عدد المساقات التي تدرّس عن بعد مستقبلا، ويجب التسريع في إصلاح أي عطب تقني، ويجب زيادة عدد التدريبات لتحسين محو الأمية الإلكترونية في مجال نظم إدارة التعليم، ومواصلة تلقي التدريبات للطلبة والأساتذة عن بُعد بعد الجائحة إذ يجب مكافأة المتميزين من مستخدمي التعلّم عن بعد