محمد إسماعيل ياسين
مدير منتدى الإعلاميين الفلسطينيين
لا تخلو محطة من محطات المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي من تضحيات لفرسان الإعلام الفلسطيني، فعدد الصحفيين الشهداء منذ عام 2000 تجاوز الــ 40 شهيداً كان آخرهم الصحفي الشهيد يوسف أبو حسين مذيع إذاعة صوت الأقصى الذي قضى نحبه خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، فضلاً عن مئات الصحفيين الجرحى الذين فقد بعضهم أطرافه وعيونه، كما يقبع 26 صحفياً وصحفية في سجون الاحتلال الإسرائيلي الذي تجاوز كل الحدود خلال عدوانه الأخير عبر تدمير مقار أكثر من 40 مؤسسة إعلامية.
إن الاستهداف الإسرائيلي الكبير للإعلام الفلسطيني بكل مكوناته يعبر بوضوح عن حجم الضرر الذي يلحقه بصورة الاحتلال العاجز عن ترويج أكاذيبه على الصعيد الدولي، ويكشف وهم الاحتلال بأن قتل واعتقال الصحفيين وتدمير مقارهم يمكن أن يثنيهم عن مواصلة دورهم في خدمة القضية الفلسطينية ونقل معاناة الشعب الفلسطيني للعالم وفضح جرائمه بحق البشر والشجر والحجر، غير أن واقع الحال خير جواب ورد على محاولات الاحتلال اليائسة لحجب الرواية الفلسطينية، فمازال فرسان الإعلام الفلسطيني يجتهدون ويجدون لنقل الرسالة الفلسطينية بما توفر من إمكانيات متواضعة تحدياً للاحتلال وآلته العسكرية العاجزة عن النيل من إرادتهم الصلبة.
ويقابل الاستهداف الإسرائيلي الكبير للإعلام الفلسطيني استبسال مضاعف من قبل الصحفيين الفلسطينيين الذين يواصلون الليل بالنهار من أجل أداء واجبهم المهني ودورهم الوطني دون كلل أو ملل، وكما قال مراسل الجزيرة الزميل وائل الدحدوح: “انهار البرج ولم تنهار العزائم واستمرت التغطية دون توقف”، معبراً بذلك عن لسان حال الصحفيين اللذين تجاوزا محنة تدمير مقراتهم سريعاً، وفضحوا جرائم الاحتلال على المستوى الدولي لدرجة استغراب البعض من قدرتهم على ذلك رغم عدم سماح الاحتلال بدخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة خلال فترة العدوان الإسرائيلي الأخير.
لذا، كان لابد من لمسة وفاء وتقدير وعرفان لتضحيات فرسان الإعلام الفلسطيني، فكانت المبادرة الطيبة من منتدى الإعلاميين الفلسطينيين لإطلاق اسم ميدان الصحافة على مفترق تقاطع شارعي الوحدة والجلاء القريب من أبراج الجوهرة والجلاء والشروق وغيرها من مقار المؤسسات الإعلامية في أبلغ رسالة تحدي للاحتلال الإسرائيلي، وأوضح عرفان وتقدير لدور الصحفيين في مختلف المحطات والميادين في خدمة المجتمع الفلسطيني والقضية الوطنية، وكانت الاستجابة سريعة من قبل بلدية غزة التي كان دورها بالغ الروعة خلال وبعد العدوان الإسرائيلي لاسيما في مجال معالجة أضرار البنية التحتية وإزالة آثار العدوان.
إن إطلاق اسم ميدان الصحافة على مفترق رئيس بغزة يهدف لتعرية وفضح جرائم الاحتلال بحق الصحفيين ووسائل الإعلام بشكل دائم، وتذكير المؤسسات المعنية بحماية الصحفيين والمؤسسات الحقوقية بضرورة محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه بحقهم، وتأكيد على الوفاء لأرواح الصحفيين الشهداء، واستكمال لرسالة الصحفيين الأسرى في سجون الاحتلال، فضلاً عن كون ذلك رسالة حب مجتمعية لمن بذلوا جهودهم على مدار لحظات العدوان القاسية وتعرضوا لمخاطر جمة، وتضاعفت جهودهم بعد العدوان لإظهار حجم الوحشية الإسرائيلية في استهداف المدنيين الآمنين.
سيبقى ميدان الصحافة وسط مدينة غزة الباسلة صرخة مدوية في وجه الاحتلال الإسرائيلي وجبروته، ورسالة تحدي وإصرار على التخندق بجبهة معركة الرواية في مواجهة دعاية وأكاذيب الاحتلال، فضلاً عن كونه تعزيزاً للعلاقة الإيجابية والتكاملية بين الإعلام الوطني والمجتمع الفلسطيني، ودعوة مستمرة لصناع القرار الوطني بضرورة دعم وإسناد الإعلام الفلسطيني باعتباره سلاح لا يمكن التفريط به بحال من الأحوال، وينبغي الاهتمام بتعزيزه بذات مستوى الاهتمام بتعزيز قدرات المقاومة العسكرية، بل أهم.