يتناول كتاب “عمالقة التقنية والذكاء الاصطناعي ومستقبل الصحافة”، الصادر عن الروتلدج سنة 2019 للكاتب جايسون ويتاكر، أمورا مثيرة للاهتمام ترتبط بعمالقة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والصحافة. بدأ الكتاب بأسعار الأسهم وتأثيرها على بقية الأسواق؛ في محاولة منه لبناء علاقة بين عالم المال والصحافة عبر جسرِ التقنية، وهو ما تجسده شركات مثل غوغل وأمازون وآبل وفيسبوك ومايكروسوفت وغيرها.
يقدم الكتاب رؤية نقدية للطرح السائد حول العلاقة الجامعة بين عمالقة التكنولوجيا بالصحافة وتوظيفها للهيمنة على التقنية وبناء تقنية للهيمنة، ومدى تأثير هذه الهيمنة على استهلاكنا للصحافة. فهذه الشركات العملاقة تهيمن اليوم على قطاعات عديدة من أهمها الإعلام، الذي قد تتمكن من رسم مستقبل جديد له إن استطاعات الإجهاز على النموذج التقليدي للصحافة.
يشير الكتاب إلى مفكرين مثل فرانكلين فوير وسكوت جالواي، ويذكر طرحيهما حول الاحتكار الحالي للتواصل من قبل الشركات الخمس الكبرى، والذي ينتج بحسب الكتاب من عاملين أساسين؛ الأول يتمثل في سعي هذه الشركات لرفع مكاسبها المالية، والثاني يتجلى في توظيف سياساتها التحريرية من أجل هندسة أفق إنسان الحاضر والمستقبل.
ولهذا السعي عواقب عديدة تتمثل إحداها في فقدان الثقة بشكل كبير في وسائل الإعلام السائدة، الأمر الذي أظهر مدى عدم استقرار المجال العام، وتجلى أثره على التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكذا انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.
التحول نحو الصحافة الجديدة التي بدأت تظهر في الزمن الرقمي هو تحول “من الصحافة كمحاضرة إلى الصحافة كمحادثة” بلغة الكتاب؛ فسلاسة التواصل التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر مع الملايين من المتابعين له فاعلية كبيرة في خدمة الروبوتات المنتجة للأخبار المزيفة على أوسع نطاق ممكن.
البيئة الجديدة وظهور الصحافة الرقمية
يحلل الفصل الأول بيئة وسائل الإعلام وتفاعلاتها مع تطورات الذكاء الاصطناعي وتوغل أو تغول الأتمتة (البرمجة). وسعى صاحب الكتاب إلى إبراز مجموعة من الأمثلة التي تفاعلت فيها التقنية بالصحافة، منها ما أقدمت عليه شركة آبل؛ فبعد فشل بعض محاولاتها في تطبيقات الصحف والمجلات، قامت بإحلال الأخبار محل الصحف والمجلات في نظامها، حيث تقدم الملخصات والمقتطفات الإخبارية على غرار تطبيقات مثل “فليب بورد”، المخصص لتقديم الأخبار في الهواتف النقالة.
في هذه الحقبة، واجهت شركات مثل آبل تحديات في دخولها لمجال الصحافة، وعجزت عن إحداث الثورة المرتقبة فيه. بالنسبة للشركة، فإن تصنيع جهاز مثل آيباد يدر عليها أرباحا وعوائد مادية أكثر من منصتها الإخبارية Newsstand التي انتهت إلى الزوال. ما يظهر بأن بيئة الوسائط المزدهرة تختلف اختلافا كبيرا عن النظام البيئي الرقمي من حيث الطرق التي تحاول بها شركات التكنولوجيا الكبرى دخول عالم الإعلام والصحافة.
ووفقا للكتاب، فإنه لا تستطيع أي من شركات التكنولوجيا الخمس الكبرى دعم قطاع الإعلام والصحافة بالكامل، ويرى أن تاريخ هذه الشركات، على مدى العقد الماضي، كان أكثر ارتباطا بتعطيل تمويل وسائل الإعلام باستعمالها للإعلانات بدلا من إنشاء الأخبار (ص:33).
المصدر: مجلة الصحافة