شذى حماد
لم أخسر بسحبهم الجائزة، فلطالما فزت بما هو أعظم في كل مرة نزلت بها إلى ميدان العمل، اكتسبت الحب والثقة، اكتسبت البيوت التي كانت تفتح أبوابها لي في كل مرة، اكتسبت حضن الناس وفنجان القهوة، اكتسبت اتصالاً يطمئن علي إذ وصلت بيتي بعد رحلة طويلة.
لم يكن هدفي الجوائز يوماً، ولم أعمل على مقال صحفي بغرض الحصول على تقديرٍ دوليّ، لقد عملت دوماً بمهنية عالية، لم أُسلم أي مادة صحفية إلا وقد استوفت شروطها المهنية، وذلك وفاء للإنسان الفلسطيني وصوته ومعاناته. وهو ما أسعى إليه وأفتخر دوماً بنقله، بانحيازٍ كامل لشعبي، وقضيتي، ولفلسطين.
في شهر أيلول المنصرم تلقيت “إيميل” من مؤسسة تومسون رويترز يبلغني بالفوز بجائزة “كورت شورك” عن فئة الصحفي المحلي لعام ٢٠٢٢، بناء على تقييم ثلاثة مقالات نُشرت على موقع ميدل إيست آي. استعددت للسفر، وكان من المتوقع الوصول إلى لندن في ٢٥ تشرين أول الجاري للمشاركة في حفل التكريم المنوي إقامته في ٢٦-٢٧ تشرين أول.
ولكن مؤسسة الضغط الصهيونية “HonestReporting” المتخصصة بمراقبة الإعلام الدولي وخاصة الصحفيين الفلسطينيين العاملين فيه، والتحريض عليهم، نشرت مقالاً تحريضياً تبعه حملة تشهير وتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة تويتر، طالبت بسحب الجائزة مني.
بعد أقل من يوم على شن الهجمة التحريضية، صدر القرار وقد استجابت رويترز لطلب سحب الجائزة. والأمر لم يتوقف هنا، وكان له نتائج أخرى سأتحدث عنها فيما بعد.
ما جرى معي هو جزء من حملات مستمرة تُشن على الصحفي الفلسطيني العامل في الإعلام الدولي، بهدف عزله عن العالم ومنعه من نقل قضيته وصوت شعبه. وقد أدت هذه الحملات التحريضية إلى فقدان الكثير من الصحفيين الفلسطينيين عملهم، اليوم أنا تسحب مني هذه الجائزة، وقبلي زملاء فقدوا وظائف عملوا فيها لسنوات.
أكتب اليوم عما عايشته في الأيام الماضية، لتكون شهادة أخرى على ما يدفعه الفلسطينيّ ثمناً لانتمائه لقضيته وأهله، شهادة أنّ الفلسطينيّ مستهدفٌ أينما وكيفما كان؛ صحفيّاً، طالباً، طفلاً، مقاوماً أو عابر سبيل.. في الميدان نواجه الرصاص كما تلقته قبل شهورٍ شهيدتنا شيرين أبو عاقلة، وفي منصات العالم نواجه حصاراً وعنفاً ضد لغتنا وهويتنا وانتمائنا هدفه إقصاء فلسطين منّا، وعنّي أقول: يُمكن أن تنزعوا مني كلّ الجوائز، لكن أبداً لن تنزعوا فلسطين.