الكاتبة | تهاني روحي
على الرغم من أنّ عملاقي منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) لديهما قاعدة كبيرة من المستخدمين، إلا أنّ “فيسبوك” فقدت قبل عدّة أشهر عدداً كبيراً من المستخدمين بطريقة لم تشهدها في تاريخها الممتد منذ 18 عاماً، ما أدى إلى تراجع قياسي في قيمتها السوقية.
يعود الأمر إلى المزاج المتغيّر للمستخدمين، وخاصة الأصغر سناً، فهم دائمو البحث عن الجديد وسريعو الملل، وهذا من شأنه أن يثير مخاوف لدى القائمين على هذه المنصات، من حيث إنّ الأسباب التي يستخدم الناس من أجلها المنصة بدأت تتغير، فصاروا يبتعدون عن الأخبار والأحداث الجارية، ويتجهون إلى الترفيه والفيديوهات القصيرة، وقد وجدوا في “تيك توك” و”بي ريل” مبتغاهم، لأنهما يغذّيان ما يطلبونه، وهو ما تحدّث عنه الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، مارك زوكربيرغ، بصراحة.
ولعلنا في هذا السياق، نتذكر موقع ماي سبيس، الذي كان أوّل عملاق للتواصل الاجتماعي، وبلغ عدد مستخدميه 300 مليون. لكنه خسر المنافسة مع فيسبوك، وتغيّر هدفه، ويستخدمه الآن، فقط، 6 ملايين شخص في العالم.
وهذا يقودنا إلى التساؤل عما إن كنّا قد بالغنا في تقدير طول عمر مواقع التواصل الاجتماعي ذات الشعبية الكبيرة، وخاصة أنّ ذاكرتنا شهدت بأنّ بعض منصات التواصل الاجتماعي تسير على منحنى النمو، ثم التألق ثم الأفول، حتى تأتي منصات جديدة تحل مكان القديمة.
ولكن في حالة “فيسبوك” و”تويتر”، كان النمو أكبر بكثير من استيعاب السوق، وخاصة في فترة وباء كوفيد، حيث كان الخيار الأمثل للملايين من المستخدمين في العالم قضاء جلّ أوقاتهم مع هذه المنصات، متنقلين فيما بينها، لتجربة خاصياتها المختلفة أو المتشابهة، خلال فترة الحظر.
الفكرة أننا نشهد نهاية دورة الحياة الطبيعية لشبكات التواصل، وبينما نتابع أفول نجم هذه المنصة، سرعان ما تبدأ منصة أخرى بالتألق واستحواذ الملايين على شعبيتها، وهي ظاهرة طبيعية، حيث إنّ منصات كثيرة جاءت ومضت. وهذا يصبّ في مصلحتنا، نحن جمهور المستهلكين أو المتلقين، لأنه عندما تكون المنافسة العالية بين هذه المنصات، فهذا يتيح لنا المزيد من الخيارات والمزيد من توفير خدمات أفضل.
يجب أن نكون واعين ويقظين عند استخدام هذه المنصات والتّحلّي بالانضباط الأخلاقي
ونظراً للوتيرة السّريعة الّتي تتطوّر بها بيئة الإنترنت، فقد كشفت عن إمكانيّة الحصول على درجات أكبر من التّفاعل، في فضاء افتراضي عام، يلتقي فيه الأشخاص ويتبادلون الأفكار والآراء، ويتعلمون كيفيّة بناء علاقات افتراضية، والمساهمة في تشكيل الأفكار وبناء محادثات جادة وعميقة. وبالوقت نفسه، يجب أن نكون واعين ويقظين عند استخدام هذه المنصات والتّحلّي بالانضباط الأخلاقي.
أيضاً، باتت المسؤولية أكبر على نشطاء وسائل التواصل، وعليهم الانتباه إلى ما إذا كانت مساهمتهم واعية وهادفة أو تتوجّه، فقط، نحو سرعة النشر وإعادة التدوير للأفكار التي يجري التخلص منها بسرعة، وهل استطعنا بالفعل أن نبتعد عن “الجعجعة” اليومية ونتجه لاستكشاف واقعنا الاجتماعي؟
إنّ حالة الفوضى التي تشهدها هذه الوسائل، والخيارات الضخمة والمحيّرة من حيث التدفق الجارف للمعلومات، سواء أكانت مضلّلة أم حقيقية، تدفعنا إلى أن نكون متلقين واعين، كي نكتشف المفاهيم الأساسيّة والتّطلعات الشّجاعة التي كانت غائبة إلى حدّ كبير عنّا، والتي تحمل في طيّاتها إمكانيةَ أن تُسفر عن لحظةٍ من وعي مجتمعي جماعي، وتجعلنا نتفكر في قرارة أنفسنا في أسئلة وجودية. وهذا يستدعي أن تكون مساهماتنا مبرمجة بطريقة تعترف بقدرة جميع الناس على المساهمة في تقدّم المجتمع من خلال تفاعلاتهم بطريقة إيجابية، وأيضاً الاعتراف بوجود أفراد ساعين للتغيير البنّاء، حيث إنّ التغيير المؤسسي والاجتماعي يجب أن يرافقه تغيير في القيم الإنسانية، ولا شيء غير غرس هذه القيم، يمكن أن يُحدث تحوّلاً لدى الأفراد والمجتمعات، بشكل يؤمّن احترام حقوق البشر بشكل متساوٍ.
المصدر : العربي الجديد