نواف العامر
يتفق أهل العلم والريادة والمعتقدات عبر العصور على أهمية الاعلام كقاعدة قوية تسهم في نشر الفكرة وشيوعها ودعم النظم والدول والكيانات واستقرارها وبث هيبتها في نفوس الاعداء والكائدين بل وتشجيع الحياة العامة السياسي والاقتصادي منها وجوانب أخرى من الاستقرار البشري ونمو الحياة ورقي الحضارات والامم .
ولا شك أن الفهم النبوي الحكيم استخدم وسائل الاعلام للمهمة التي بعثه الله بها ، وتميز في استخدام تلك الوسائل تبليغا لرسالة الاسلام ومبادئها وبعدها الانساني في وقت تميزت الحياة بندرة وسائل الاعلام وأدواتها وسرعة نقلها وبثها .
وسجل التاريخ والسير أن الاعلام النبوي كان بنوعيه المدني ( السلمي) والحربي ورصد ذلك في غزواته عليه السلام ، ومثل بذلك نموذجا صالحا للدراسة والاعتبار والسير على منهاجه الاعلامي الفريد في صحراء الحياة والمادة .
وفي الجانب النبوي كان من الواضح استخدام القيادة النبوية لوسائل اعلامية مختلفة غير مسبوقة ويمكننا تفصيلها بنقاط واضحة .
* التضليل الإعلامي زمن الحرب وهو ما بات يعرف لاحقا بالحرب خدعة ، هذا المصطلح (الحرب خدعة) هو مصطلح نبوي حربي عسكري، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب وأرشد إليه نعيم بن مسعود رضي الله عنه بعدما هداه الله للإسلام، فأمره أن يخذل عن المسلمين ما استطاع وأذن له.
*التورية في الحرب في غزوة بدر عندما ورّى عن الشيخ البدري الذي سأله عن قريش وأخبارها؟ فقال ذاك الشيخ: لا أخبرك حتى تخبرني من أنت: فقال له رسول الله: أخبرني أخبرك. فلما أخبره سأل النبي: من أنت؟ فقال له:
( نحن من ماء) ثم انصرف.
وتستخدم الجيوش الحديثة والمعاصرة إلى يومنا هذا المبدأ من الخداع والتمويه في الحروب، حيث أن التضليل الاعلامي سبق فيه رسول الله قادة الجيوش والاعلاميين المبرزين حرصا على تحقيق الاهداف والغايات وهو ما ذكره كعب بن مالك: كان رسول الله إذا أراد حرباً ورّى بغيرها.
وكما هو فقد تمكن أبو سفيان من النجاة بقافلة قريش وارسل لهم من يبلغهم بالنجاة الا أن أبو جهل أصر على موقفه مستخدما الخروج وما بيعد نجاة القافلة كوسيلة اعلامية تحيط بها هالة القوة لنشر هيبة قريش بين العرب والقبائل فقال مقولته الشهيرة ” لا نرجع حتى نرد بدراً فنقيم ثلاثًا ننحر الجُزر، ونطعم الطعام، ونشرب الخمر، وتعزف القيان علينا، فلن تزال العرب تهابنا أبدًا” ، رسالة تحمل في طياتها قدرة على التوظيف الاعلامي للحدث كبيان حربي محدد المعالم والمفاصل والتفاصيل للحفاظ على الهيبة ، فهل حصل ما ذهب اليه أبو جهل أم ارتد السحر على الساحر. .؟!
ومن الواضح أن أبو جهل بمعرفته الواضحة بوسيلة الاعلام التي بثت بيانه المركزي يدرك أهمية المكان وهو عين بدر ، تلك التي ستنال الشهرة بالبقاء فيها والتمتع والسهر ، وربما كانت هي كذلك قبل المعركة مركزا للقاء الشعراء والتقاء قوافل التجارة .
حالة أبو جهل ورؤية قريش لها بُعدًا إعلاميًّا قد لا يلتفت إليه البعض كثيرًا، وهو المتمثل في الصراع بين إسقاط هيبة قريش في نفوس العرب وغطرستها في موجهة المسلمين من جهة، ومحاولة القرشيين التشبث بهذه المكانة وتلك الهيبة التي ينال منها المسلمون من جهةٍ أخرى
اليوم الأمة قيادات وشعوب وطاقات وخبرات ووسائل اعلام مخاطبة لإيجاد إعلام إسلامي شامل، هي بأمس الحاجة إليه إعلام إسلامي متخصص لكل الفروع والعلوم ، يسند رسالتنا الاعلامية كواحدة من ادوات تبليغ الدين والفكرة الانسانية وانقاذ البشرية .