أقلام حرة

شيرين..بالدم كتبت لفلسطين

*ماهر حسن شاويش

نكأ اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة بدم بارد جرحاً غائراً لانتهاكات الاحتلال الاسرائيلي وسعيه الحثيث ومحاولاته المحمومة والمستمرة لاغتيال الكلمة والصوت والصورة التي ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي ضد العمل الصحافي الفلسطيني .
منذ ما قبل النكبة شكّلت الصحافة الفلسطينية المسموعة والمرئية والمقروءة أحد أهم أعمدة النضال الفلسطيني وكانت سبّاقة في هذا المضمار. وعدّد الباحثون ما بين 45 إلى 50 صحيفة فلسطينية كانت تصدر قبل النكبة، إضافة إلى المجلات المتخصصة في الزراعة والهندسة والصناعة وغيرها، عدا عن أن الفلسطينيين شغّلوا ثاني إذاعة على مستوى الوطن العربي بعد الإذاعة المصرية، وكانت تبث من مدينة القدس. ولم يقتصر العمل الإعلامي فقط على اللغة العربية، بل كان العمل بلغات مختلفة كالإنجليزية والألمانية،وكانت الرقابة الإنجليزية على الصحافة الفلسطينية شديدة، فيما كان الانتداب البريطاني يحاول شراء ذمم أصحاب هذه الصحف أو يهددها لتمرير المشروع الصهيوني في فلسطين.
ووصلت الأمور إلى حد نفي صحفيين وإبعادهم، من أبرزهم الصحفي محمد علي الطاهر الذي أبعد إلى مصر وأنشأ جريدة هناك.
وفي عملية يعتقد أنها مدبرة على مستوى سلطة الانتداب وصل الأمر إلى تفجير الإذاعة الفلسطينية في القدس بشكل كامل؟! وهذا غيض من فيض الممارسات والانتهاكات التي أسست لسلوك الاحتلال الإسرائيلي العدواني تجاه حرية الصحافة الفلسطينية .

حيث يمكن القول بعد النكبة إن معظم العمل الإعلامي الفلسطيني، قد انتقل إلى الخارج، ما أدى إلى صقل تجربة عشرات الكتاب والصحفيين الفلسطينيين الذين لم يسلموا من بطش الاحتلال الاسرائيلي وانتهاكاته المختلفة بدءاً من الاعتقال إلى القتل لمن تبقى منهم في الداخل الفلسطيني أو عاد مع تأسيس السلطة الفلسطينية ، كما ورصد وتعقب الاحتلال أنفاس من عمل منهم في الخارج بحيث ترجم هذا الرصد في عمليات اغتيال واستهداف مباشر لهم فارتقى منهم العشرات على مذبح الحرية .
لم يكن غسان كنفاني مجرد أديب أو صحافي فلسطيني خدم قضية بلاده حتى آخر لحظات عمره، بل مثَّل منظومة متكاملة ، فحاول تشكيل جيلاً ، شحذوا أقلامهم لتوجيه الضربات للاحتلال الإسرائيلي، والتي عادلت أحياناً، بل وتجاوزت صوت الرصاص. لذلك، لم يكن من المستغرب أن يسعى الإحتلال الاسرائيلي الغاشم لإجهاض هذا المشروع في بواكيره، حينما إغتال كنفاني في الثامن من يوليو/تموز عام 1972.صاحب المقولة المشهورة والتي غدت في ما بعد شعاراً للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ” نحن بالدم نكتب لفلسطين” الأهم أن غسان قالَها وفَعَلها.

ولم يكن رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي يقرأ الكف أو الفنجان؛ لكنه رسم نهايته في مخيلته بألوان الوطن. كان يدرك أن كل خط يرسمه يقربه أمتاراً من نهايته، وأن ريشته ستشهد لحظة الغدر قبل سقوطها أرضاً بجوار أحباره.
ترجم “العلي”- قبل زمن بعيد- في عقله الباطن شواهد الأحداث وأيقن حتمية النهاية فداء للوطن فقال ما يشبه الرثاء في نفسه مبكراً في جملة أشبه بنعي في صفحة الوفيات: «اللي بدو يكتب عن فلسطين، واللي بدو يرسم فلسطين، بدو يعرف حاله ميت».

أستحضر استشهاد غسان كنفاني وناجي العلي علماً أن سلسلة وكوكبة من شهداء الصحافة والإعلام الفلسطيني قد ارتقت على هذا الدرب قبلهم وبعدهم ، لكنهما نموذجان صارخان لمن يعرف ويدرك تماماً مآل الطريق الذي يسير فيه ويعي مصيره المحتوم لا بل استشرفه مسبقاً وتحدث عن نهايته بوضوح أقرب إلى اليقين ومع ذلك لم يتراجع ولم يتهيب وعورة الطريق وصعوبة المسلك وظل ثابتاً على موقفه حتى النهاية التي يتمناها كل صاحب قضية ومبدأ .
الصحفية شيرين أبو عاقلة تشبهما في ثباتها وإصرارها في بذلها وعطائها على مدار ربع قرن وكل المؤشرات كانت واضحة أمامها فهي تعمل في أسخن المناطق وأكثرها اشتعالاً ومع ذلك قالت ” “ليس سهلاً ربما أن أغيّر الواقع ، لكنني على الأقل كنت قادرة على نقل الصوت إلى العالم ” وظل هدفها الأسمى هو ما جسدته في مقولتها ” لقد اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان “.
ولذلك أصرت شيرين على الاستمرار في العمل الميداني من أجل نقل الحقيقة كماهي إلى المشاهد حيثما كان ، رافضةً العمل المكتبي من أجل هدف واحد حددته لنفسها في البداية وهو «القرب من الإنسان».
وقد تجلى ذلك بوضوح في كلماتها التي سطرها التاريخ تعليقاً على إحدى تغطياتها ” ‏لن أنسى حجم الدمار، ولا الشعور بأن الموت كان أحيانًا على مسافة قريبة، لم نكن نرى بيوتنا، كنا نحمل الكاميرات ونتنقل عبر الحواجز العسكرية والطرق الوعرة، كنا نبيت في المستشفيات أو عند أناس لم نعرفهم، ورغم الخطر كنا نُصر على مواصلة العمل”
نعم رغم الخطر أصرت على مواصلة العمل ،
لذلك نحن نقول بناء على هذا اليقين الذي لديها : ” شيرين بالدم كتبت لفلسطين “.

وعليه وربما هذا أقل الواجب وجهد المقل تجاهها ووفاءاً لدمائها فلاينبغي أن تمر جريمة اغتيالها مرور الكرام ولابد من معاقبة ومحاسبة مقترفيها ، لاسيما في ظل ما أحدثه من تفاعل عالمي مع الحدث وفي هذا الصدد ‏أصدرت منظمة هولندية لكشف الحقيقة تدعى ” Bellingcat “وهي مجموعة دولية مستقلة من الباحثين والمحققين والصحفيين المواطنين الذين يستخدمون تحقيقات مفتوحة المصدر ووسائل التواصل الاجتماعي للتحقيق في مجموعة متنوعة من الموضوعات والجرائم ضد الإنسانية ، إلى تتبع استخدام الأسلحة الكيميائية والصراعات في جميع أنحاء العالم. مع موظفين ومساهمين في أكثر من 20 دولة حول العالم ، وتعمل في مجال فريد من نوعه حيث تلتقي التكنولوجيا المتقدمة والبحوث الجنائية والصحافة والتحقيقات والشفافية والمساءلة.
أصدرت تقريراً غاية في الأهمية ومفصل جداً حول ملابسات وحيثيات جريمة اغتيال الصحفية #شيرينأبوعاقلة .
وقد نشرته على موقعها الالكتروني ويعتمد على تكنولوجيا وتقنية عالية وخبرات عالمية يكشف أن إطلاق الرصاص على الصحفيين في #جنين كان متعمداً وليس اطلاقاً عشوائياً أو بالخطأ .
وهو دليل إدانة قوي في حال رفع قضية جنائية ضد #إسرائيل . ⁧‫‬⁩
شخصياً أعوّل على #قناةالجزيرة أكثر من السلطة الفلسطينية في متابعة الأمر ، ودائماً لدينا هواجس وتخوفنا حاضر لأي مقايضات في قضايا من هذا النوع ؟! التحقيق في قضية الرئيس #ياسرعرفات نموذجاً .

*كاتب صحفي فلسطيني مقيم في هولندا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى