غزة/ يحيى اليعقوبي:
بورقتين تلخصان حقبة عشر سنوات من العمل ومن إجمالي المصاريف، عرض القائمون على نقابة الصحفيين الفلسطينيين تقريرها المالي فيما يسمى “المؤتمر العام” السابع الذي عقد في 23 مايو/ أيار الجاري تزامنًا ما بين رام الله وغزة، بإجمالي مصروفات بلغت 4 ملايين و216 ألف شيقل أثارت تساؤلات صحفيين بشأن أوجه الصرف مقارنين الأرقام الواردة بالتقرير ومدى استفادتهم منها. في تفاصيل ما ورد بالتقرير، بلغ إجمالي مصاريف بند المواصلات 525 ألف شيقل، وبند إيجار مكتب غزة 100 ألف شيقل، وحفلات وتكريم وهدايا بقيمة 105 آلاف شيقل، وورش ومؤتمرات ودورات بقيمة 708 آلاف شيقل، وبند سفريات ومهمات خارجية 298 ألف شيقل. في حين تضمّن بند مساعدات لصحفيي غزة مبلغ 183 ألف شيقل، ومصاريف متفرقة بقيمة 22 ألف شيقل، وإقامة وفود صحفيين أجانب بقيمة 100 ألف شيقل، ومصاريف السلامة العامة للصحفيين بمبلغ 98 ألف شيقل، ومصاريف الاحتفال بسنوية التأسيس بقيمة 20 ألف شيقل، وضيافة واحتفالات بقيمة 155 ألف شيقل، ومواد تنظيف بمبلغ 38 ألف شيقل، ومياه بقيمة 16 ألف شيقل. 185 ألف شيقل لم ترد ببند رسوم الاشتراكات لسنة 2023م ويثير بند العضويات تساؤلات الصحفيين، بعد إفصاح النقابة عن عدد الأعضاء المسددين لرسومهم الذين بلغوا 2412 عضوًا، في وقت تبلغ قيمة تجديد العضوية وفق إعلان سابق للنقابة 100 شيكل، وهو ما يجعل المجموع الكلي لبند العضويات 241.2 ألف شيقل.
والمُتتبّع للتقرير المالي يجد أنّ الرقم المذكور أمام بند رسوم اشتراكات لعام 2023، يبلغ 55.4 ألف شيقل، وهو ما يدفع للتساؤل عن مصير 185.8 ألف شيقل لم ترد بالتقرير. تساؤلات الصحفيين وفي وقت أعلنت النقابة اكتمال النصاب القانوني للمؤتمر العام، إذ بلغ عدد الأعضاء المشاركين في الضفة الغربية وقطاع غزة 1994 عضوًا، من أصل 2622 العدد الكلي للأعضاء، بنسبة مشاركة بلغت 76%، يشكك صحفيون بعدد الحضور نفسه. يصف الصحفي عماد الإفرنجي المؤتمر بأنه “مهرجان سياسي”، لكون أنّ غالبية الحضور كانوا من الإعلام الرسمي للسلطة، وخلا من مراسلي الوكالات المحلية والدولية المعروفة، لأنهم “فقدوا الثقة والأمل بهذه الفئة التي تسرق النقابة”. وتساءل الإفرنجي في حديث مع صحيفة “فلسطين”: “عندما نجد قنصلًا أوروبيًّا عضوًا في النقابة، والمتحدث باسم الحكومة إبراهيم ملحم، ومستشار رئيس الحكومة السابقة سلام فياض، وعشرات أو مئات العناصر من أجهزة الأمن، فهل هذه نقابة صحفيين أم نقابة إعلاميين في أجهزة أمنية؟”. 200 ألف شيقل لم ترد عن 2022م باحتساب عدد الصحفيين المسددين وعدّ تقديم تقرير مالي يلخص عشر سنوات بورقتين “استخفافًا بعقول الصحفيين”، مشككًا ببنود وردت بالتقرير المالي، منها إيرادات النقابة عن الاشتراكات السنوية لسنة 2022، إذ ورد بالتقرير مبلغ 40 ألف و800 شيقل، بالرغم من أنه يوم المؤتمر الاستثنائي (عقد في يناير/ كانون الثاني) جدد 2412 صحفيًّا عضويتهم، ما يعني أن قيمة المبلغ 241 ألف شيقل متسائلًا: “أين 200 ألف شيقل؟”. والرقم الثاني الذي آثار تساؤلات الصحفي الإفرنجي كما غيره من عشرات الصحفيين، أن مبلغ رسوم الاشتراكات لسنة 2023 بلغ 55 ألفًا و400 شيقل، في حين أن النقابة أعلنت أن عدد أعضاء المؤتمر بلغ 2622 صحفيًا، وهذا يعني أنهم دفعوا رسومًا تبلغ 260 ألف شيقل، أي أن هناك أكثر من 200 ألف شيقل وجب التساؤل عنها. واستفسر كذلك عن وجود بند إيجار مكتب القدس بالرغم من أنه مغلق منذ عام 2000، حيث عرض التقرير أنه دُفع 21 ألفًا و656 شيقلًا عن عام 2013 ومبلغ 14 ألفًا و700 شيقل عن عام 2014.
واستغرب من وجود بند مصاريف سلامة مهنية وتوزيع خوذ وسترات واقية عام 2020 بقيمة 65 ألف شيقل، وتوزيع السترات نفسها لعام 2021 بقيمة 32 ألف شيقل، متسائلًا حول طبيعة المستفيدين منها، وإن كانت “حقًا وصلت للصحفيين أم لا”.
زيادة في سجل الأعضاء بأكثر من 160% قبل أسبوعين من الانتخابات وطرح التساؤل نفسه عن بند توزيع مساعدات لصحفيين بقيمة 183 ألف شيقل لعام 2014، ووجود بند لإيجار “مكتب غزة” بقيمة 1165 شيقلًا عن سنة كاملة لعام 2022، وهو “مبلغ قليل لإيجار سنوي” مقارنة بمبالغ كبيرة عرضها البند نفسه عن سنوات أخرى. فجوة وتفاوت واللافت للانتباه في بند إيجار “مكتب غزة” وجود فجوة بالمبالغ وتفاوت بالقيمة من عام لآخر بالرغم من أن مكتب مقر النقابة الواقع مقابل اتحاد الكنائس بمدينة غزة لم يتغير، فقيمة المبلغ عام 2013، بلغت 8 آلاف و900 شيقل، فيما بلغت 18 ألفا و715 شيقلا عام 2017، ثم بدأت قيمة الإيجار بالانخفاض في السنوات الثلاث الأخيرة حتى بلغت 1165 شيقلًا. وقال الإفرنجي: “نحن نشكك بالأرقام طالما لم يقنعونا بأوجه صرفها”، متوقفًا عند بند ورد بالتقرير حمل توصيف (مصروف عزاء الشهيد الجمل) دون تحديد اسم الشهيد الذي لم يتعرف عليه الصحفي الإفرنجي كما أنه لا يوجد عنه أي سيرة ذاتية على محرك البحث عبر الإنترنت، وورد بالتقرير أن تكاليف بيت عزائه بلغت 6 آلاف شيقل. في بند “مشروع الاتحاد الدولي للصحفيين” Global Digital Organizing Project المدعوم من الاتحاد الدولي، لفت الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي والمالي أحمد أبو قمر إلى أنه في عام 2020، تمت إضافة مبلغ 50.9 ألف شيقل إلى المصاريف دون إضافة بند الإيرادات لنفس العام. الإفرنجي: نشكك بالأرقام طالما لم يقنعونا بأوجه صرفها وتساءل أبو قمر من خلال صحيفة “فلسطين” قائلًا: “هل يعقل أنّ النقابة تنفّذ مشاريع للاتحاد الدولي على حساب نفقاتها الخاصة دون دعم من الاتحاد؟”. وأضاف: “لعل ما يؤكد أن مثل هذه المشاريع تأتي بدعم، هو البند نفسه للعام الماضي 2022، حيث ذكرت النقابة في تقريرها المالي بند الإيرادات 52.6 ألف شيقل، وبند المصاريف 56.9 ألف شيقل”. وتحت بند “سفريات ومهمات خارجية” صرفت نقابة الصحفيين مبلغ 33.28 ألف شيقل في عام 2022، متسائلًا عن طبيعة السفريات واستفادة الصحفيين منها. وأشار إلى بند في التقرير المالي “مساعدات لصحفيي غزة” تركت خاناته فارغة باستثناء عام 2014، الذي تبلغ حجم مصروفاته 182.8 شيكل، في “وقت لم نسمع وقتها عن أي من المساعدات التي وصلت للصحفيين في قطاع غزة”، كما قال. مصادر: مئات العاملين بالإعلام الرسمي سددت عنهم “التعبئة والتنظيم”
بفتح ملف العضويات ومنذ تأسيس النقابة شاب ملف العضويات مشاكل عديدة، إذ توضح الصحفية نائلة خليل أن لجنة العضويات التي كانت عضوًا فيها لم تكن تجتمع سنويًّا سوى مرتين أو ثلاث مرات على أبعد تقدير، مبينةً أنه لا يوجد قاعدة بيانات إلكترونية لملف العضويات. والصحفية خليل هي عضو بحراك الصحفيين المستقلين حاليًّا، وكانت عضوًا بملف لجنة العضوية بنقابة الصحفيين منذ عام 2015 قبل أن تنسحب منه في سبتمبر/ أيلول الماضي احتجاجًا على سلوك مجلس النقابة تجاه الملف. وتقول خليل لصحيفة “فلسطين”: “إن ملف التقرير الإداري والمالي يحتاج إلى تدقيق من خبراء ماليين، حيث خلت التقارير من السندات المعززة والإيصالات المالية، بحيث توضح كيف جاءت الأرقام وكيف صرفت”. وكشفت أن “ج. ق” وهو عضو بالنقابة كان يكتب أسماء الأعضاء على دفتر ورقي، ويبقى يحتفظ به، وتُمنع هي من أخذ نسخة منه، مؤكدةً أن النقابة كانت تصدر بطاقات عضوية دون العودة للجنة التي يفترض أن توافق على أي عضوية، إضافة لعدم وجود بريد إلكتروني أو قناة اتصال حقيقية بين الأعضاء. خليل: النقابة استغلت المؤتمر “الاستثنائي” لتغيير النظام الداخلي كاملًا وأضافت:
“عندما كنت أستفسر عن ملف الأعضاء، فإنهم يخبرونني بموعد اجتماع للجنة ولم يسبق أن دعيت لاجتماع لها”. وعزت خليل انسحابها من ملف العضوية لنقطتين، الأولى: وجود ملفات غير مكتملة للأعضاء بالرغم من طلبها المتكرر من موظفين متفرغين للعمل بالنقابة بتجهيز نحو خمسين ملفًا مكتملة الأوراق، لفلترتها وهذا لم يحدث”. ولفتت إلى أن نقطة الاعتراض الثانية: كانت وجود “غبن وتضليل” للصحفيين بإعطائهم بطاقات عضوية مؤقتة وليست دائمة، دون أن يعرف الصحفي بذلك،
معتقدةً أنه كان يحدث تصيدًا لبعض الصحفيين خاصة من لديهم أفكار معارضة عن نهج القائمين على النقابة. تغيير نظام واتهمت “خليل” النقابة باستغلال ما سمي “المؤتمر الاستثنائي” الذي عقد في 29 يناير/ كانون الثاني، لتمرير وتغيير نظام النقابة كاملًا الذي كان معمولًا به عام 2011، وذلك بهدف الإبقاء على الفئة المتنفذة في الأمانة العامة لسنوات طويلة، بتغيير شروط العضوية حتى إغراقها بأغلبية عددية لا تمثل الصحفيين، من كتبة المقالات وموظفي رجال الأمن. ونبَّهت إلى أنه قبل أسبوعين من موعد انتخابات النقابة حدث زيادة في سجل الأعضاء بأكثر من 160%، دون الإشارة للوسيلة الإعلامية التي يعملون بها ولمدينة السكن، وذلك حتى لا يُبحث عن هذ الأسماء، إضافة إلى رقم العضوية الذي ينص النظام الداخلي على ذكره عند نشر السجل، عادّة ذلك تضليلًا هدفه إغراق العضوية بأغلبية عددية. وتعتقد أن نصف عدد سجل الأسماء البالغ 2600 اسم ليسوا حقيقيين، لأن النظام الداخلي للنقابة عام 2011 حدد العضو لمن يعتاش من الصحافة ويمارسها، متسائلة كذلك عن مصدر الأموال التي أعلنت عنها النقابة في ظل عدم وجود فعاليات إسكان وتأمين صحي وغيرها من الأنشطة.
الأطرش: النقابة أوصلتنا لمرحلة التشكيك بكل شيء يصدر عنها وتفيد مصادر مطلعة في حراك الصحفيين المستقلين لصحيفة “فلسطين”، أن المئات ممن يعملون بالإعلام الرسمي وأجهزة الأمن التابعة للسلطة، سددت عنهم التعبئة والتنظيم بحركة فتح، متسائلين: “لماذا يُسدد جماعيًا عنهم، في وقتٍ لا تسمح النقابة للصحفيين العاملين بالمؤسسات الإعلامية بالحصول على عضوية إلا بالحضور الشخصي؟” محمد الأطرش وهو صحفي من محافظة الخليل، وأحد منسقي حراك الصحفيين المطالب بإصلاح النقابة، يقول: “إن النقابة أوصلتنا لمرحلة بسبب الإشكاليات معها، أن نشك بكل شي، وبكل ما يصدر عنها، فمن لا يلتزم بالأنظمة الداخلية يمكن أن يلجأ لأي شيء للحفاظ على مصالحه الشخصية والحزبية”. وشكك الأطرش في حديثه لصحيفة “فلسطين” ببعض بنود التقرير المالي قائلًا: “إن المؤتمر تحدث عن 2622 صحفيًا يحق لهم المشاركة بالمؤتمر، يعني أن هذا العدد مسدد لاشتراكاتهم فلماذا وردت رسوم الاشتراكات بـ55 ألف شيقل فقط؟”.
ويعتقد أن هناك ما وصفه “استهتارًا أفضى لتبديد الموارد المالية، فلو كان متوسط أعضاء الصحفيين منذ عام 2012-2023 نحو 3 آلاف صحفي فهذا يعني أنه يجب أن يكون الإيراد نحو 300 ألف شيقل سنويًا”. ولفت إلى أن الصحفي لم يعد يستشعر بأهمية دفعه لاشتراكات سنوية، وهذا تتحمل مسؤوليته النقابة، متسائلًا حول أوجه الصرف خاصة ما يتعلق بالمواصلات والسفريات بمبالغ “ضخمة”.