أقلام حرة

الذكاء الاصطناعي: هل تهدّد هذه التكنولوجيا مستقبل وفرص الصحفيين؟

إبراهيم شمص

ربما قرأت في السنوات القليلة الماضية، عن إحلال الآلة مكان الإنسان. إذا ما أثارت هذه الأخبار ريبتك، فاعلم أنك لست وحدك. السؤال عن مستقبل العمال والأعمال، يعمُّ شتى المجالات مع الصعود المتسارع للذكاء الاصطناعي.

ما يعرفه أي صحفي هو كم التطبيقات التي عليه تعلم استخدامها للتأكد من الأخبار والصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وإذا ما أراد التوسع، سيتجه لتعلم استخدام المصادر المفتوحة للتدقيق في سجلات الشركات وتحديد الموقع الجغرافي، وتتبع السفن والطائرات.

لكن قد يضطر أي عامل في هذه المهنة إلى تعلم كل هذه الأدوات، للتمكن من إنجاز قصة يصعب على منافسه إنجازها، أي الروبوت. وفي السنوات الماضية، نشأ مفهوم الصحافة الآلية، الذي يتناول كتابة المقالات الإخبارية عبر الآلات أو برامج الكومبيوتر.

لكنه أصبح يتعدى الكتابة إلى إنتاج الفيديو وأمسينا نشاهد مذيعين مطورين عبر الذكاء الاصطناعي. فماذا يحدث؟

تشات جي بي تي

في مارس/آذار، قال المدير التنفيذي لمجموعة الإعلام الألمانية أكسل سبرينغر، ماثياس دوبفنير، إن الصحفيين معرضون لخطر استبدالهم بأنظمة ذكاء اصطناعي مثل “تشات جي بي تي”، مشيرا إلى أن أدواته تعد ثورة في ميدان المعلومات، وستكون قريبا أفضل في تجميع المعلومات من الصحفيين البشر.

وتقول الشركة إن “احتمالية استجابة تشات جي بي تي 4 للطلبات المتعلقة بالمحتوى غير المسموح به، تقل بنسبة 82 في المئة، كما أن احتمالية تقديم ردود فعل تزيد بنسبة 40 في المئة مقارنةً بتشات جي بي تي 3.5”.

يتم تدريب “تشات جي بي تي” على كمية هائلة من البيانات المتوفرة على الإنترنت، ويتعلم رياضيا لتحديد الأنماط وإعادة إنتاج الأساليب. وبما أنه يمتلك القدرة على الشرح وكتابة المقالات والبرمجيات، واختصار الملفات، يعدّ تطورا في هذا المجال، ويثير خشية الموظفين. فماذا عن الصحفيين؟

أولا، يختصر “تشات جي بي تي” الوقت في عملية البحث، من خلال النتائج التي يقدّمها على أسئلة حول موضوع ما، وبالتالي يوفر وصولا أسرع إلى المعلومات.

شعار تشات جي بي تي على شاشة هاتف ذكي

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، يساعد “تشات جي بي تي” في وضع أسئلة المقابلات، بعد أن يدخل الصحفي الأسئلة التي تدور في ذهنه، فينشأ البرنامج أسئلة على غرارها

ثانيا، يجعل الروبوت مهمة الصحفيين في تبسيط القضايا المعقّدة للجمهور أسهل، مع سماحه بإدخال ملخص أو جزء من مقال أكاديمي، ليقوم بتبسيطه. يمكن للصحفي استخدام هذه الأداة لفهم مقال أو فكرة بشكل أفضل قبل إجراء مقابلة مع المؤلف.

ثالثا، يساعد “تشات جي بي تي” في وضع أسئلة المقابلات، بعد أن يدخل الصحفي الأسئلة التي تدور في ذهنه، فينشأ البرنامج أسئلة على غرارها. كما يمكن للبرنامج نسخ مقابلة سابقة، أو مقالة كتبها الشخص الذي تمت مقابلته، وتطوير أسئلة حول هذا الموضوع.

رغم ذلك، لا يمكن الوثوق بنتائج الروبوت، فهو يستجيب لطلب المستخدم من خلال إجراء تنبؤات حول الإجابة الأكثر احتمالا على الاستفسارات، لذلك ينتج أحيانا إجابة غير صحيحة من الناحية الواقعية.

بالإضافة إلى أن الروبوت أكثر دقة وأوسع قدرة على استحضار المعلومات باللغة الإنجليزية من أي لغة أخرى، حتى الآن.

يقول الرئيس التنفيذي لمؤسسة صحافة الذكاء الاصطناعي للبحث والاستشراف الدكتور محمد عبد الظاهر، في مقابلة مع بي بي سي عربي إن “تشات جي بي تي يحتاج إلى تحسينات في صناعة المحتوى باللغة العربية، لكن في ما يتعلق بالبحث وكتابة التقارير والمقابلات وصناعة الخطط الترويجية باللغة الإنجليزية هو مهم جدا، ويعتبر من أهم تقنيات الذكاء الاصطناعي التي انتجت في العامين الأخيرين، في تعزيز مهارات الصحفيين وفي وجود أداة بديلة تتيح للصحفي سرعة جمع المعلومات وتحليل البيانات، لكن يجب التعامل مع مصادره بحذر”.

تكنولوجيا مرنة

عموما، يبدو الذكاء الاصطناعي كتكنولوجيا مرنة تدخل في كافة البرامج والآلات التي أصبح تعلم استخدامها حاجة ملحة، كما لو أنها الكومبيوتر أو الإنترنت مطلع انتشارهما.

على صعيد الصحافة، أدمجت مؤسسات صحفية كبيرة كأسوشيتد برس ونيويورك تايمز وواشنطن بوست ورويترز، الذكاء الاصطناعي في غرف أخبارها قبل سنوات.

استخدمت بلومبيرغ برنامج “سايبورغ”، لشرح التقارير المالية وكتابة القصص الإخبارية الشاملة على الفور.

بينما، نشرت ديلي ميرور وديلي إكسبرس مقالاتهما الأولى المكتوبة باستخدام الذكاء الاصطناعي في مارس/آذار الماضي.

يتوقع عبد الظاهر أن أكثر من 60 في المئة من المحتوى الإعلامي المنتج دوليا سوف يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في السنوات الخمس القادمة، وهو لا يؤثر بالضرورة على العمالة البشرية بل سيزيد من مهاراتها.

سألتُ “تشات جي بي تي” حول أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة، وكانت الإجابة كالتالي:

  • مساعدة الصحفيين على تحليل البيانات والمعلومات بشكل أسرع وأكثر دقة، وبالتالي يمكن توليد تقارير أكثر تحليلا وإضافة للمحتوى الإخباري
  • توفير محتوى إخباري مخصص لكل قارئ بناء على اهتماماته وسلوكه السابق في تصفح الموقع الإخباري، مما يؤدي إلى زيادة الانخراط والمشاركة من قبل الجمهور
  • تحرير النصوص بشكل أسرع وأكثر دقة، وتوفير خدمات الترجمة الآلية لتسهيل عمل الصحفيين في الوصول إلى المعلومات من مصادر مختلفة
  • تحليل محتوى الوسائط المتعددة (الصور والفيديو والصوت) لتوليد تقارير أكثر دقة وتحليلا للأخبار
  • تحديد أفضل استراتيجيات التسويق الإعلامي وتحسين نتائج الإعلانات وتحديد الموضوعات التي تثير اهتمام الجمهور

أفادت إجابة الروبوت على سؤالي حول كيفية تهديد الذكاء الاصطناعي لوظائف الصحفيين، بأنها هي عينها الفرص، أي أن التقنية يمكن أن تحل محل الصحفيين في المهام المذكورة أعلاه.

بشكل أساسي، يحرّر الذكاء الاصطناعي الصحفيين من المهام الروتينية، ما يسمح لهم بالتفرغ لإنتاج قصص أكثر عمقا وإبداعا.

إضافة إلى ذلك، تستخدم مؤسسات إعلامية برامج تعلِم الصحفيين باتجاهات الأخبار وأهم القصص المنتشرة، ومستوى التفاعل مع القصص المنشورة.

لكنه يتعدى ذلك إلى عرض الأخبار عبر متحدث آلي، وقد أنشأت تطبيقات يمكن للمستخدم من خلالها إدخال النص، لاستعراضه عبر مذيع مطور عبر الذكاء الاصطناعي، أو حتى إنتاج صور فنية، وتحسين جودة الصور القديمة.

إلا أن للذكاء الاصطناعي هوامش سلبية، كاستخدامه في تقنية التزييف العميق، ونشر الأخبار المضللة والدعاية، ما يخلق تحديا في اكتشاف هذا النوع من الاستعمال وتجنب الوقوع في فخه.

“بعض المنصات الإلكترونية لديها تقنيات ذكاء اصطناعي تعمل على صناعة توصيات كاذبة على السلع والخدمات”، يوضح عبد الظاهر قبل أن يشير إلى أنه “هناك العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تكشف المحتوى الزائف وترصده لمعرفة المصدر الأساسي له”.

علامة الذكاء الاصطناعي معروضة على شاشة الهاتف

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، للذكاء الاصطناعي هوامش سلبية، كاستخدامه في تقنية التزييف العميق، ونشر الأخبار المضللة والدعاية

“أمية المهارات”

يعتقد عبد الظاهر أن تقنية الذكاء الاصطناعي لا تحل محل الصحفي المبتكر، بل محل الصحفي الكسول، ومحل المؤسسات التي تعتمد الأساليب التقليدية في الإدارة.

إذن هناك فرصة للصحفيين للعمل على قصص عميقة وتحقيقات استقصائية مستخدمين الذكاء الاصطناعي، وتحديا يتمثل بإزاحتهم إذا ما استمروا في العمل على القصص الخبرية والتقليدية، دون أن يتعلموا مهارات جديدة.

وفي هذه النقطة، يقول عبد الظاهر إنه في السابق “كنا نتحدث عن أمية القراءة والكتابة، ثم أمية الكومبيوتر، ثم أمية الإنترنت، لكن الآن نتحدث عن الأمية المهاراتية، أي عدم امتلاك الصحفي أو الطبيب أو غيرهما لديناميكية في المهارات الخاصة بعمله”.

“هناك بعض المؤسسات قبل أن تدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، تبدأ بالأساس في تنمية المهارات البشرية، حتى تستفيد قدر الإمكان من تلك التقنيات”.

المصدر : بي بي سي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى