أقلام حرة

الأفلام الوثائقية ومكافحة الأخبار الكاذبة.. “للقصة بقية” نموذجا

بشار حمدان

مع التدفق الهائل للأخبار وانتشار الوسائل والتقنيات التي تتيح نقل ما يجري من أحداث في هذا العالم ونشرها على أوسع نطاق دون أي قيود أو محددات بات التلاعب بما يود الناس سماعه بل وما عليهم أن يصدقوه أكثر سهولة، ولم يعد تزييف الأخبار مرتبطا بتوفر قدرات وإمكانات ضخمة كتلك التي كانت تعمل عليها مؤسسات وأنظمة وحكومات في توظيف “بروباغندا” معينة باتجاه التأثير في الرأي العام أو في قضية ما.

وكما ورد في الفيلم الروائي “The international” (إخراج: توم تيكوير) عام 2009، والذي يتناول فساد بنك كبير وعلاقته بجرائم غسيل الأموال وتهريب السلاح وتمويل منظمات إرهابية، بل وزعزعة استقرار الحكومات، “تذكر أن هناك ما يود الناس سماعه وهناك ما يود الناس تصديقه، وهناك أمور أخرى كثيرة، بعد ذلك تأتي الحقيقة.. الحقيقة تعني مسؤولية ولهذا يخشاها الناس”.

الفيلم الوثائقي يُعنى بالأخبار الكاذبة طويلة المدى التي تحتاج إلى رواية مضادة وليس مجرد خبر.

 من يقف وراء الأخبار الكاذبة؟

 هناك أخبار كاذبة يتم تداولها ونشرها عبر أفراد ليست من اختلاقهم إنما نقلا عن مصدر يعتقدون بثقتهم فيه، لكن وفي ظل انتشار مواقع التواصل والمنصات الرقمية تجد طريقها إلى الناس وتلقى انتشارا واسعا.

وهناك أخبار يتم ابتكارها من قبل جهات ومؤسسات بل وأنظمة في محاولة للتأثير على الرأي العام أو ضمن بروباغندا خدمة لمواقف معينة أو ضمن حرب إعلامية مع المنافسين والخصوم.

قبل حوالي ثلاث سنوات، مع بدء انتشار جائحة كورونا، كان الناس أمام كمّ هائل من تدفق الأخبار والمعلومات التي كانت تنافس المعلومات الرسمية بل وحتى منظمة الصحة العالمية، ولم يعد الأمر مقتصرا على تكذيب أو تصديق وجود هذا الفيروس وانتقاله بين البشر، بل حتى في كيفية التعامل مع الإجراءات الوقائية والعلاجية التي فرضتها هذا الجائحة، وصولا إلى التشكيك بمصدر هذا الفيروس، وبدأت الشائعات تنتشر، فضلا عن نظريات المؤامرة التي كثرت حول الجائحة.

ولم يكن هيّنا محاربة مثل هذه الأخبار والمعلومات خصوصا أن بعضها كان يتدفق بشكل يومي، وهو ما كان يتطلب جهودا مستمرة لتفنيدها، لكن الأصعب كان مواجهة أخبار ومعلومات تركت أثرا لم يكن من السهل محوه.

هناك أخبار كاذبة يتم تداولها ونشرها عبر أفراد ليست من اختلاقهم إنما نقلا عن مصدر يعتقدون بثقتهم فيه.

 الفرق بين الأخبار اليومية الكاذبة والأخبار “طويلة المدى”..

هناك أخبار كاذبة يمكن دحضها مباشرة عبر المنصات الإخبارية، على سبيل المثال: التصريحات الرسمية، مثل تداول تصريح منسوب إلى وزارة خارجية بلد ما، ففي هذه الحالة يمكن التواصل مباشرة مع الوزارة للتأكد من صحة الخبر، وذلك لا يحتاج إلى جهد أكثر من موازاة الخبر بخبر.

في حين أن هنالك أخبارا تمتد ضمن مساحات زمنية وتشمل عدة شخصيات وتطال مجتمعات وتتحول إلى شائعات وقد تصل إلى حد اعتبارها مسلمات متداولة وفي هذه الحالة يحتاج هذا النوع من الأخبار إلى تفنيد منهجي توضح في قالب مثل الفيلم الوثائقي.

وهذه الأخبار هي المتعلقة غالبا بأحداث كبيرة يمتد أثرها زمنيا، مثل: حرب عام 1967 بين العرب و”إسرائيل”، إذ إن أثر الأخبار المتداولة حول ما جرى ونتائجها مستمرة إلى اليوم، ومنها وجود اختراق “إسرائيلي” لقيادات الجيش المصري تحديدا أدى قصف مدرج الطائرات الحربية. مثل هذا الحدث سيكون من الصعب تغطيته في تقرير أو نفيه في خبر خصوصا بعد مرور كل هذه السنوات، بقدر ما ستكون الحاجة إلى فيلم وثائقي يتناول الحادثة بالشهود العيان وبالبحث في الوثائق وإعادة استحضار ما جرى على أرض المعركة وتحليله.

وعليه فالفيلم الوثائقي يُعنى بالأخبار الكاذبة – طويلة المدى- التي تحتاج إلى رواية مضادة وليس مجرد خبر.

أثر الأخبار الكاذبة طويلة المدى؟

تخلق واقعا وبيئة مزيفة مكتملة الأركان

يقول عمر أميرلاي في مقدمة فيلمه “طوفان في بلاد البعث” – إنتاج عام 2003- (منذ 33 عاما كنت مدافعا صلبا عن تحديث وطني الأم سوريا، إلى درجة أن فيلمي الأول كان عن بناء سد الفرات مصدر فخر حزب البعث وبهجته…أنا اليوم نادم على هذا الخطأ الذي ارتكبته في شبابي، إن انهيار سد ورفع النقاب عن تقرير رسمي توقع حدوث الشيء نفسه لسائر السدود التي بنيت خلال فترة حكم البعث الممددة ولايته دفعني للعودة إلى موقع فيلمي الأول).

فالفيلم الذي ندم عليه عمر أميرلاي كان فيلم “محاولة عن سد الفرات” والذي يتناول فيه إنجازات نظام البعث في بناء السد، وما خلقه من فرص وتحسين الظروف المعيشية، ولكن الواقع لم يكن كما الحقيقة، وليس سوى ما روّج له النظام بينما كان الواقع الفعلي صعبا. وقد صنع أميرلاي فيلما آخر قبل “طوفان في بلاد البعث” هو فيلم “الحياة اليومية في قرية” (1974) عما ألحقه السد من أضرار بسكان القرية.

وهو ما نراه اليوم في وسائل إعلام رسمية كثيرة في العديد من الدول تُروج لإنجازات أنظمتها ليتوهم الكثير من الناس أنهم يعيشون في نعمة وظروف اقتصادية سليمة، لكن مع استقراء واقعهم وتتبع ظروف حياتهم ورصدها في فيلم وثائقي يتبين العكس تماما.

تبدأ عملية التحقق والتفكير في كيفية تناول الفيلم؛ منذ طرح الفكرة وصولا إلى المٌنتج النهائي، لذا فإن خطوات صناعة الفيلم كلها تعتمد الواقع وعلى الحقائق وهو ما يفرض بديهيا دحض أي معلومة كاذبة أو مغلوطة.

ولو أخذنا مثالا “القبة الحديدية الإسرائيلية” سنجد أن “إسرائيل” عملت على تقديم القبة الحديدية على أنها نظام بديل لمنظومة الباتريوت، وروجت لها على أساس أنها منظومة دفاعية متكاملة قادرة على التصدي للصورايخ، وهو ما تم دحضه في فيلم “القبة الحديدية” ضمن برنامج “للقصة بقية” الذي تناول حقيقة أداء القبة الحديدية الإسرائيلية ومدى فعاليتها في التصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية.

حيث عمل الفيلم على دراسة تصاميم ونماذج عمل القبة التي نشرتها شركة “رفائيل” وهي الشركة المصنعة للقبة، وقارنها بالأداء الحقيقي لها في الحرب على غزة في مايو/ أيار 2021، وذلك من خلال رصد تحرك مسار صاروخ القبة مقابل الصاروخ الفلسطيني في الفيديوهات التسجيلية التي رصدت ذلك خلال الحرب، وتم توظيف تصاميم جرافيك محاكاة لنموذج الاعتراض المفترض ونموذج الاعتراض الفعّلي.

وتم الاستناد إلى شهادة خبراء حلّلوا أداء القبة الحديدية، وعلى رأسهم أحد مهندسي القبة الحديدية، وتم إخفاء هويته خوفا من تعرضه للأذى من السلطات الإسرائيلية، والذي كشف عن عيوب في القبة الحديدية، و”ثيودور بوستول” أستاذ الهندسة والتكنولوجيا الذي سبق له عام 1991 كشف حقيقة نسبة الاعتراض المنخفضة للباتريوت (المنظومة الدفاعية الأمريكية) في تحقيق مكثّف عكف عليه، وهو أول من شكّك في فعالية القبة الحديدية عند أول اختبار ميداني لها قبل ما يُقارب العشر سنوات.

و”للقصة بقية” هو برنامج حواري-وثائقي، على قناة الجزيرة، تتضمن كل حلقة منه عرض فيلم وثائقي قصير، يتناول القضايا والمواضيع التي تمس المشاهد العربي، ويتبع الفيلم نقاش في الاستوديو، ويسعى قدر الإمكان إلى مواكبة الأحداث الجارية.

كيفية دحض الأخبار الكاذبة في الفيلم الوثائقي- للقصة بقية نموذجا

تأتي أهمية أفلام برنامج للقصة بقية من أن البرنامج يواكب الأحداث الجارية ويتناول القضايا العامة والساخنة المطروحة على الساحة العربية، ويسعى لتوثيقها، ولا يكمن التحدي بشكل أساسي في ضيق الوقت فحسب وإنما في التأكد من صحة ما يتم تغطيته عن الموضوع وما يُنشر عنه خصوصا في ضوء التزاحم الكبير للأخبار والمعلومات حول الشأن الذي يتم تناوله.

وبالتالي تبدأ عملية التحقق هذه والتفكير في كيفية تناول الفيلم؛ منذ طرح الفكرة وصولا إلى المٌنتج النهائي على الشاشة، لذا فإن خطوات صناعة الفيلم كلها تعتمد الواقع وعلى الحقائق وهو ما يفرض بديهيا دحض أي معلومة كاذبة أو مغلوطة.

فالتحقق من الفكرة يعني البحث عن مدى مصداقيتها وواقعيتها وما إذا كانت حقيقة، والخبر عن حدث ما أو قصة ما يتطلب التأكد منها قبل الشروع في إنجاز الفيلم، ووضع كل ما نُشر على الطاولة للتمحيص فيه؛ إن كان من خلال التحقق الميداني، أو من خلال الاستعانة بمصادر موثوقة ذات علاقة أو بشهود عيان.

وعلى طول خط سير الفيلم يجب التيقظ فيما إذا كانت هناك أي معلومات خاطئة تندس بين تفاصيل الموضوع الذي يتم تناولها، وذلك باستمرار التواصل مع الشخصيات ذات العلاقة عدا عن الرصد المستمر – ميدانيا- أو من خلال ما يُنشر في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل.

من المهم الأخذ بعين الاعتبار أن ليس كل رواية تحتاج رواية مضادة وليس كل خبر كاذب يحتاج فيلما وثائقيا لتفنيده، بل الأمر يتعلق بمصدر الرواية والخبر وقوة انتشارها.

فيلم “يوم في ووهان”

قبل الشروع في تنفيذ الفكرة، كان هناك تعتيم إعلامي حول ما يجري في المدينة التي ظهر فيها فيروس كورونا لأول مرة، لمنع تناول أي خبر بشأن الفيروس وتفشيه، ولم يكن معروفا بشكل واضح ما الذي يجري في المدينة التي تم إغلاقها من قبل السلطات، ولم تكن الحكومة الصينية تقدم المعلومات اللازمة- بحسب منظمة الصحة العالمية- للتعامل مع هذه الأزمة.

استطاع فريق “للقصة بقية” التواصل مع صحفي نجح في الدخول إلى المدينة للتحقق من صحة ما يتم تداوله، والتأكد من مصداقية الرواية الرسمية، ليبدأ تتبع خيوط أحداث الأيام الأولى لنقل العديد من التفاصيل الإنسانية حول الوضع وعن طبيعة الإجراءات الحكومية المتخذة.

وخلال الإعداد تم البحث فيما نُشر عن “ووهان” من مصادر عدة، والتأكد من مدى صحته، مثل رواية طبيب العيون لي وين ليانغ الذي حذر منذ الأيام الأولى لظهور الفيروس من أنه قاتل، ودعا سكان مدينة ووهان لتوخي الحذر لكن السلطات اتهمته بترويج الشائعات وهددته بمواجهة تهم بالإرهاب، وقد فارق الحياة بعد إصابته بالعدوى. وكانت السلطات قد اعتقلت عددا من المواطنين بتهمة نشر أخبار زائفة مما أّثر سلبا على المجتمع، لكن وفاة ليانغ فتحت الباب على مصراعيه أمام ردود فعل غاضبة بين أوساط الصينيين، وكيف أن التدخل الحكومي المتأخر قد أدى إلى سرعة انتشار العدوى ليس بين صفوف المواطنين فحسب، بل حتى بين العاملين في مجال الرعاية الطبية، وكان 3 من زملاء ليانغ قد فقدوا حياتهم بعد شهر من رحيله.

يوم في ووهان
تمكن فريق برنامج “للقصة بقية” من الوصول لصحفي داخل مدينة ووهان ليبدأ تتبع خيوط أحداث الأيام الأولى لبدء انتشار فيروس كوفيد-19 – الجزيرة

ومن خلال التصوير والشهادات ومواد “أرشيفية” تبين أن التعتيم الحكومي على تفشي الفيروس شجع الناس على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي دون إدراك مدى خطورة انتشار هذا الفيروس، علما أنه تم تسجيل 248 حالة يومي العاشر والحادي عشر من يناير 2020 من بينها سبعة عاملين في مجال الرعاية الصحية ولكن صُنفت على أنها مصابة بنوع من الالتهاب الرئوي. لكن الحكومة قالت بأن مخاطر العدوى وانتقالها بين البشر ضعيفة.

شهود العيان الذين قابلهم فريق العمل ومنهم ” كْشُو لي” وهي إحدى المتطوعات في العمل الإغاثي، أكدوا تراخي السلطات في التعامل مع الفيروس، حيث تقول ” في ديسمبر/ كانون الأول 2019، عندما تعرض سبعة أشخاص للعدوى بالفيروس في مدرسة ابنتي، لم يخطر ببالي أبدا أن يحدث هذا كله”.

وصل الأمر بسكان المدينة إلى ترتيب مأدبة عشاء في مطعم بالمدينة حضرها الآلاف من الأشخاص، ولعل ذلك يعود للتشخيص غير الدقيق من السلطات الصحية في المدينة، أو ربما بسبب التعتيم الإعلامي الذي فرضته السلطات، حيث مُنع تداول أي خبر بشأن الفيروس الجديد.

 استطاع فريق البرنامج – الذي دخل إلى المدينة للوقوف على التفاصيل الإنسانية التي يعيشها السكان في ظل الإغلاق – الدخول بكاميرا سرية إلى أحد المستشفيات، كما نجح في إجراء حوار من خلف حاجز حديدي مع ابنة أحد المصابين التي قالت: “إن المستشفيات في البداية رفضت استقباله، مما اضطرهم لإطلاق نداء استغاثة عبر موقع ويبو، فسارع العديد لتقديم يد العون”، وبعد مشقة استطاع والدها دخول المستشفى، وقد تم إجراء اتصال معه أشار فيه إلى أنه بخير ونقل إلى أحد الفنادق، كما تتبع الفريق تشكيل السكان لمجموعات متطوعة لمساعدة بعضهم البعض في ظل ازدياد الضغط على المنشآت الطبية، ونقص الأغذية، ورصدت الكاميرا كيف ساعدت هذه المجموعات، رغم عدم امتلاكها تصريحا بالتنقل في البداية، في توفير الإمدادات للمستشفيات والعاملين في القطاع الصحي بالضروريات اليومي بالإضافة إلى السكان الذي كانوا باستمرار يطلبون عون هذه المجموعات الإغاثية.

وفي العاشر من مارس/ آذار أعلنت الصين أنها استطاعت السيطرة على الوباء أي بعد حوالي 4 أشهر من تفشيه، لكن الفيروس كان قد وجد طريقه بالفعل إلى بؤر أخرى في العالم منها مدينة بيرغامو الإيطالية.

تأتي أهمية أفلام برنامج للقصة بقية من أن البرنامج يواكب الأحداث الجارية ويتناول القضايا العامة والساخنة المطروحة على الساحة العربية.

“مأساة كورونا في إيطاليا”

رغم كل حالات التحذير التي كانت تُنشر والإجراءات التي اتخذتها العديد من البلدان، كانت تنتشر العديد من الأخبار الكاذبة عن مدى صحة انتشاره. لكن فريق عمل البرنامج نجح بالتعاون مع مخرجة ومصورة إيطالية بالدخول إلى أول بؤرة في أوروبا لتفشي الفيروس وهي مدينة بيرغامو بإقليم لومبارديا في إيطاليا، ومرافقة طاقم مسعفين ومتطوعين. وثّقت الحلقة معاناة الضحايا وذويهم وبشهادات حصرية للحظات الأخيرة من نقل المرضى إلى المستشفى وتوديع عائلاتهم لهم، بالإضافة إلى شهادات من فقدوا والديهم، واستطاع البرنامج – في تصوير حصري – توثيق مشاهد نقل الجيش الإيطالي توابيت جثث الموتى إلى خارج المدينة جراء اكتظاظ المقابر بضحايا فيروس كورونا (كوفيد-19)، وبشهادة الطبيب “أليساندرو سيرجي” كشف البرنامج استراتيجية الخيار الصعب التي يضطر إليها الأطباء الإيطاليون لاختيار مَن يتلقى العلاج أولاً لإنقاذ حياته ومن يُحرم منه وفقاً لتقييم الحالة المرضية وقدرتها على الاستجابة للعلاج.

كورونا في إيطاليا للقصة بقية
فيلم مأساة كورونا في إيطاليا الذي تمكن من نقل ما وقع في أول بؤرة في أوروبا لتفشي الفيروس وهي مدينة بيرغامو بإقليم لومبارديا في إيطاليا – الجزيرة 

وقد كان هذان الفيلمان هما بداية سلسلة من أفلام برنامج “للقصة بقية” تناولت جائحة كورونا، بثت على مدار عدة شهور، في بحث دؤوب عن الحقيقة ولمواجهة كم هائل من المعلومات المغلوطة حول الجائحة والكثير من المواضيع المرتبطة بها وعن أثرها الذي طال العالم أجمع.

وختاما، من الهام الأخذ بعين الاعتبار أن ليس كل رواية تحتاج رواية مضادة وليس كل خبر كاذب يحتاج فيلما وثائقيا لتفنيده، بل الأمر يتعلق بمصدر الرواية والخبر وقوة انتشارها والأهم أبعادها الممتدة بالأثر سواء التاريخي أو على مستوى الأفراد والمؤسسات.

إن انتهاج الفيلم الوثائقي كأداة للرد على الأخبار الكاذبة يحتاج منهجية خاصة لا تقتصر على البنية الموضوعية فحسب، بل تتعداها إلى الهيكل الفني القادر على منح هذه الرواية المضادة الصوت والصورة. كثيرون ممن يحاولون تقديم الرواية الأخرى قد يتعثرون في نقلها فنيا لضعف البناء الذي استندت عليه أركان الرواية أو لعدم الإلمام بهذه الأركان وكيفية توظيف البناء الفني لتقديمها بالشكل المناسب.

ومن المهم التمييز بين ما قد يمكن توظيف الفيلم الوثائقي فيه وما قد يكون تحقيقا صحفيا مكتوبا. ففي النهاية نحن نتحدث هنا عن الشاشة وليس عن مجرد الدحض لأجل الدحض.

في الفيلم الوثائقي البحث عن الحقيقة هو الأهم، وليس عن الخبر، وليست كل الأخبار الكاذبة تحتمل أن يتم تصحيحها في فيلم وثائقي، فهناك الأخبار التي تحتاج إلى تأكيد وتدقيق وهي تلك التي يتم التعامل معها باستمرار في نشرات الأخبار.

واليوم مع انتشار الفضائيات والمنصات المختلفة التي يجد الفيلم الوثائقي طريقه للعرض عليها، فيجب الأخذ بعين الاعتبار أن دور الفيلم اليوم يتجاوز ما كان عليه، وصار صانع الفيلم الوثائقي أمام تحديات جسيمة أكبر من أدوات دحض الأخبار الكاذبة المعتمدة في وسائل الإعلام والمنجزة في وقت سريع، فصانع الفيلم سيظل محاطا بالعديد من الأخبار طوال مدة عمل الفيلم وهو ما يعرضه للوقوع ضحية الشائعات والروايات الكاذبة حول الموضوع الذي يعمل عليه.

المصدر | معهد الجزيرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى