لوحظ في الفترة الماضية انتشار نماذج تقدم محتوى سلبيًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في سلوك منافٍ لقيم المجتمع الفلسطيني وعاداته، وتعاليم الدين الإسلامي.
ويتنوع المحتوى السلبي الرائج عبر منصات التواصل ما بين عبارات وحركات خارجة عن الحياء من الجنسين، أو أحاديث منافية لتقاليد المجتمع، أو تحدّيات تُهين الكرامة الإنسانية في بعض الأحيان.
وتقدم تلك النماذج محتوى يلقى استهجانًا من شرائح كبيرة في المجتمع، لكنه يلقى رواجًا من فئات معيّنة، ولاسيما الأطفال والفتية وبعض الشباب.
وفي ظل تفشي النماذج المذكورة شيئًا فشيئًا، برزت دعوات من ناشطين وأكاديميين للجهات الحكومية للعمل من أجل الحد من المظاهر السلبية والمنافية للأخلاق عبر مواقع التواصل والحفاظ على السكينة العامة، وفق القانون.
تأثيرات خطيرة
المختص في مجال الصحة النفسية هشام غراب يرى أن خطر ما تقدمه تلك النماذج هو أن منصات التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها تشارك الأسرة عملية التربية والتوجيه نحو السلوكيات المختلفة.
ويقول غراب، في حديث لوكالة “صفا”: “هنا تكمن الخطورة على المجتمع خاصة المنصات التي تنشر المحتويات الهابطة المنافية لعاداتنا وتقاليدنا وقيمنا الإسلامية”.
ويشير إلى أن “المحتويات الهابطة والمخلة تعرض بشكل جذاب ولافت للانتباه، وهذا سبب الخطورة”.
ويوضح غراب أن المشكلة تتجسد في عدم ضبط الآباء والأمهات أنفسهم في البداية لدى مشاهدتهم محتوى سلبيًا أمام أعين أبنائهم ما يشجعهم على هذا السلوك.
ويعتقد أن تلك النماذج التي تحظى بمتابعة كبيرة عبر مواقع التواصل، تستغل قلة ظهور القدوة الحسنة التي تقدم المحتوى المفيد عبر مواقع التواصل.
ويبين غراب أن النماذج السلبية تتفوق على الإيجابية في مواقع التواصل بسبب طريقة الإخراج في تقديم المحتوى.
ويضرب مثالًا على ذلك “بأن يقوم أحد الدعاة أو الناشطين بكتابة منشور طويل على صفحته أو نشر فيديو مدته ربع ساعة فلا يجد قبولًا لأن المشاهد يحبذ المحتوى السريع الذي لا يتطلب وقتًا”.
ويوصي المختص مقدمي المحتوى الإيجابي بإخراج محتواهم بشكل جذاب وتقديمه بشكل مختصر ومبسط للمشاهد.
ويؤكد أن الأسرة يقع على عاتقها مسؤولية كبيرة للتصدي لمقدمي المحتوى السلبي وغير المفيد، أهمها المحافظة على القوة والطاقة النفسية الإيجابية لدى أبنائها وأن تقوم بعملية ضبط لاستخدام هذه المنصات ومشاهدة هذه المحتويات.
ويتابع غراب أن “من مهمة الأسرة في عصر التكنولوجيا مزيد من الاهتمام والمتابعة الأسرية لضبط مشاهدات الأبناء لكي تبقى الأسرة قوية ومتماسكة ومحافظة على قيمها”.
فراغ كبير
المصور الصحفي ومقدم المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي محمد محيسن يقول إن المحتوى الهابط عبر مواقع التواصل يحظى باستحواذ كبير ويتابعه فئات مختلفة بالمجتمع، لعدة أسباب.
ويوضح، في حديث لوكالة “صفا” أن من أهم الأسباب انخفاض مستوى الوعي لدى الكثيرين ممن يستخدمون مواقع التواصل، وقضائهم أوقاتًا طويلة أمام شاشة الموبايل، وميلهم إلى التسلية.
ويشير محيسن إلى أن صانع المحتوى السلبي يلجأ إلى أفعال وأقوال غير محسوبة وإن جلبت له انتقادات لاذعة، إلا أنه يعتبر ذلك شهرة سواء كانت سيئة أو متوافقة مع أفكاره.
ويحث محيسن الناشطين الذين يقدمون المحتوى الإيجابي والمفيد للجمهور على عدم ترك ساحة منصات التواصل شاغرة ومواتية أمام مقدمي المحتوى السلبي والهابط، مقدمًا لهم مجموعة من النصائح لجذب اهتمام جمهور “السوشيال ميديا”.
ويوصي مقدمي المحتوى الإيجابي بالتركيز على الانفراد بالمحتوى والاهتمام بأن يكون مميزًا وجاذبًا للمتابع، وعدم تقديم معلومات علمية جافة، وعدم الإطالة في سرد المعلومة، وبدء مقطع الفيديو بلحظة تشويق.
ويضيف: “من أجل تقديم محتوى جاذب يجب على من يقدمه التمرن على فن الإلقاء وإخراج المادة بوسائل حديثة عبر برامج المونتاج، واستخدام الوسوم المخصصة للموضوع المستهدف”.
ويرى محيسن أن هناك تقصيرًا من الجانب الرسمي للتصدي للمحتوى السلبي وضبطه، في ظل تزايد النماذج التي تقدم محتوى يخالف عاداتنا المجتمعية وقيمنا الإسلامية.
إطار قانوني
ووسط المطالبات للجهات الحكومية بملاحقة الفوضى والنماذج السلبية عبر مواقع التواصل، يكشف رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف أن مؤسسته شرعت مؤخرًا بصياغة نظام واضح لتنظيم المحتوى عبر المنصات الإلكترونية.
ويقول معروف، لوكالة “صفا”: “نعكف منذ فترة – بمشاركة عدة جهات سواء كانوا من الحقوقيين أو القانونيين أو ديوان الفتوى والتشريع أو مؤسسات اجتماعية أو ناشطين وغير ذلك– لوضع نظام واضح ومحدد لطبيعة المخالفات التي رصدت ويقع فيها ناشطو التواصل الاجتماعي لتوضع في إطار نظام يقر من المجلس التشريعي”.
ويضيف “بعد إقرار هذا النظام من المجلس التشريعي سيتم إنفاذه من متابعة العمل الحكومي، في إطار تنظيم عملية النشر وتحديد البنود القانونية التي تستند عليها النيابة من جهة والمحاذير التي يجب أن يبتعد عنها ناشطي التواصل”.
ويشير معروف إلى أن “شبكات التواصل الاجتماعي أوجدت بعض الظواهر المستغربة وغير المألوفة في مجتمعنا خاصة من ينشرون محتوى غير لائق لا يتناسب لا مع عاداتنا وتقاليدنا ولا مع شريعتنا ولا واقعنا في مجتمع يعاني من الاحتلال”.
ويلفت إلى أن “هذا الأمر مسّ جميع المجتمعات بصورة أو بأخرى إلا أن واقعنا الفلسطيني يحتم علينا التعامل مع الأمر بصورة أكثر شفافية وأكثر جهدا”.
ويؤكد أن “المؤسسة الحكومية انتبهت لهذا الأمر وسعت لتصحيح قواعد النشر عبر شبكات التواصل من خلال التوعية والتثقيف وتنظيم عشرات حملات التغريد التي كانت تسعى لتعزيز الثقافة الإيجابية وتصحيح المفاهيم فيما يتعلق بالنشر عبر هذه المواقع”.
لكن معروف ينوه إلى أن “هذه الجهود لم تنجح في الحد من بعض المظاهر السلبية التي نشاهدها لسبب أو لآخر ونظرًا لمبررات من مقدمي المحتوى ومستخدمي مواقع التواصل”.
ويوضح أن “هذا الأمر دفعنا باتجاه الاعتماد على الإجراء القانوني باعتبار أن هذه الممارسات تأتي في سياق المخالفات والانتهاكات والتجاوزات للنصوص القانونية التي تنص في مجملها على ضرورة الحفاظ على النظام العام والسكينة وعادات وتقاليد المجتمع والمسؤولية الوطنية والاجتماعية”.
ويشير معروف إلى وجود متابعة وفق الأطر القانونية ممثلة في النيابة العامة لأي مخالفات أو تجاوزات يتم رصدها عبر مواقع التواصل.
ويبين أن الأمر (في الملاحقة القانونية) يكون ببعدين، “أولهما شخصي يتمثل بانتهاك يُرتكب تجاه شخص ما عبر مواقع التواصل.. وهنا الحق الأصيل لأي شخص مورس الخطأ بحقه التوجه للنيابة العامة وغيرها”.
ويلفت معروف إلى أن “هناك العشرات من القضايا التي نظرت فيها النيابة العامة ترتبط بحقوق أشخاص تمت الإساءة لهم عبر مواقع التواصل”.
أما البعد الثاني – حسب معروف – هو الحق العام والإساءة للمجتمع وصورته، “وهنا يصبح الحق العام للنيابة العامة التي يمكن أن تتحرك مباشرة”.
ويتابع رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: “سعينا لعملية التوعية لأن البعض قد يكون جاهلا بمحظورات النشر عبر مواقع التواصل ولم تكن الصورة واضحة له بالمحظور وفق القانون خاصة عندما يكون هناك حديث يفهم منه ازدراء للأديان أو لعقيدة المجتمع أو لثابت من ثوابتنا أو قضايانا الوطنية”.
ويردف “هناك بُعد اجتماعي أيضًا في التصدي لهذه الحالة وهو المشاركة المجتمعية في رفض وإدانة هذا السلوك”.
ويشير معروف إلى أن “مجتمعنا يغلب عليه الطابع القبلي ويمتاز بالعائلة الممتدة؛ ولذلك كانت هناك جهود قامت عليها المؤسسة الحكومية لمخاطبة الوجهاء والمخاتير والشخصيات الاعتبارية لضرورة الاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه هذا الأمر”.
المصدر | وكالة صفا .