كيف يمكن لطالب متدرب حديث العهد بالإعلام ضمان تجربة تدريبية مثمرة؟ إنه سؤال يهم الكثير من طلبة الصحافة المتدربين، لكن المؤكد أن المؤسسات الإعلامية كثيرة ومتعددة تلك التي تتيح لهم التدريب فيها بالأردن. ومع ذلك فان إجابة الأغلبية من الطلبة المتدربين عن تقييمهم لطبيعة التدريب ومدى استفادتهم ليست مرضية.
انعدام الاتصال التدريبي
تكمن المشكلة الحقيقية بالأصل في غياب واضح لمسؤول التدريب في أغلب المؤسسات، غير مبالية بوجود متدرب يتطلع لتنمية معارفه مهاراته وتطوير قدراته، حيث تعمد الكثير منها إلى تهميشه متناسية بذلك أن فترة التدريب تشكل ركنا أساسيا في تكوين صحفي قادر على ولوج سوق العمل متطلعا لفهم متطلبات عمله في المستقبل وجعله أكثر إدراكا لفكرة العمل الصحفي.
لقد أحدث المناخ المهني الخاص بالصحافة في الأردن أزمة تتشكل في انعدام الاتصال التدريبي، مما ينشئ لدى المتدرب انعزالا في بداية حياته المهنية تمنعه من التواصل مع زملائه في المؤسسة، الأمر الذي قد يؤثر لاحقا على مساره الصحفي، وتكوين شبكة العلاقات الخاصة به.
تكمن المشكلة الحقيقية بالأصل في غياب واضح لمسؤول التدريب في أغلب المؤسسات، غير مبالية بوجود متدرب يتطلع لتنمية معارفه مهاراته وتطوير قدرات.
ويتجسد هذا المناخ في وجود صحفيين كثر يعملون دون دراسة أكاديمية خاصة بالإعلام ودون أن يتلقوا أي تدريب من قبل مؤسساتهم، والتي ليس لديها إستراتيجية واضحة للتدريب.
ويرى طارق نواصرة، معد للبرامج في قناة المملكة، أن قلة الاهتمام بالمتدربين ترجع “إلى ضغط العمل الناتج عن المنافسة الكبيرة التي تعيشها المؤسسات الإعلامية الرائدة اليوم، وعدم توفر طاقم كاف لمرافقة المتدربين، علماً أنهم قد يمكِّنون المؤسسات الإعلامية من فرص إنتاج مواد قد لا يجد لها طاقم المكتب وقتاً، حيث ينقسم الطلاب المتدربون إلى قسمين. هناك جزء منهم يأتي إلى القناة متجاهلا ما يمكنّه من الاستفادة غير مهتم بما قد يكتسبه من معرفة مقابل الاستعراض متباهيا بكونه قد دخل المؤسسة الفلانية، أما الجزء الآخر فهم الباحثون عن المعرفة الجادون في طلب التدريب واكتساب الخبرة”.
تدريب “فقير”
تتبع أغلب المؤسسات الإعلامية في الأردن النهج ذاته في تدريب طلبة الإعلام بما ترتئيه من صيغة وشكل التدريب المتبع دون دراسة مسبقة لاحتياجات الطلبة والصحفيين الجدد أو توجهاتهم.
لذلك، نجد تداريب هذه المؤسسات لا تتعدى مجالات التحرير والكتابة الصحفية ومراقبة الصحفيين لمعرفة طريقة اشتغالهم دون أدنى توجيه، وهي عادة تدريبات تفضي لنتائج ضعيفة، نمطية ومكررة ودون غاية تذكر.
تقول يارا أبو كويك، خريجة كلية الصحافة و الإعلام من جامعة الزرقاء الخاصة في الأردن، واصفةً تجربة تدريبها الميداني في إحدى المؤسسات الإعلامية الكبرى بأنها “إحدى أهم التجارب التي بإمكان طالب الإعلام الاستفادة منها، إذ بإمكانه بناء شبكة علاقات كبيرة تؤهله مستقبلا للعمل بشكل أكثر احترافية، ورغم ذلك، فقد كان المسؤول عن تدريبي يعمل رئيس تحرير في غرفة الأخبار، فكان من الصعب أن يتابع تدريبي بشكل يومي، مكلفاً زملاءه من صحفيين ومعدي برامج بذلك خلال فترة التدريب التي استمرت قرابة الشهر، لكن ما ضايقني أنني لم أحظ بفرصة حقيقية لإنتاج مواد صحفية لأن ذلك ضد سياسة المؤسسة المتبعة إضافة إلى أنني واجهت صعوبة كبيرة في انخراطي مع مجتمع المؤسسة ككل”.
مواكبة التطور
ما يشهده العالم اليوم من تطورات رئيسية في جميع وسائل الإعلام بسبب التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال، أدى إلى ضعف الأداء المهني للصحفي لاستمراره في استعمال الوسائل التقليدية.
هذه التطورات تفرض التدرب على الوسائل الحديثة التي ما تزال تجربتها ضعيفة جدا، وهذا ما تؤكده تجربة الطالبة إسراء الشيخ التي تدربت في أكثر من مؤسسة. واستنادا لهذه التجربة، فإنها لم تتلق تدريباً ملفتاً بل كان تقليديا ومكرراً جدا تمحور حول الكتابة الصحفية لاسيما أن بعض هذه المؤسسات كانت لا تعترف بالصحافة الرقمية وأثرها على تكوين الإعلام الجديد، بل إنها لا تدرك أهمية وسائل الاتصال الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي.
وفي دراسة أجراها وزير الثقافة الأردني السابق باسم طويسي عام 2019 بعنوان: “تطوير معايير للجودة المهنية في الإعلام: إطار عمل لوسائل الإعلام الأردنية”، والتي هدفت بشكل رئيس إلى تطوير معايير للجودة المهنية في وسائل الإعلام، والتي يستفاد منها عمليا في اختبار مستويات الجودة في البيئتين الداخلية والخارجية لوسائل الإعلام الأردنية، خلصت إلى ضرورة تطوير سبع حزم من المعايير في مجالات مختلفة، وأتى مجال التدريب واكتساب المعرفة كحزمة اساسية يجب العمل عليها لضمان جودة الإعلام العربي.
تم وضع معايير مقترحة من مرجعيات أساسية ثلاث تقدم إضافات أساسية في مجالات التعليم والتأهيل والتدريب الإعلامي وهي:
1- معايير هيئة اعتماد كليات الصحافة والاتصال الأمريكية والتي طورت سلسلة من المعايير الخاصة لتحسين أداء مخرجات نظام التعليم الإعلامي.
2- مؤشرات تنمية وسائل الإعلام الصادرة عن “البرنامج الدولي للتنمية والاتصال” الذي ترعاه اليونسكو حيث عالجت هذه الوثيقة بناء القدرات المهنية لطلبة كليات الإعلام ودعم المؤسسات التي تعزز حرية التعبير والتعددية والتنوع حيث ركزت على مضمون مناهج التدريب الإعلامي وكيف يساعد التدريب الطلبة على فهم الديمقراطية والتنمية والعمل بجد من أجل الارتقاء بالرسالة الإعلامية.
تفاصيل التدريب مفقودة والنتائج مبهمة
في مساق التدريب الميداني الذي يجب على أي طالب منتسب إلى كليات الإعلام اجتيازه كمتطلب إجباري في خطته، يأتي الأستاذ المسؤول عن المساق تاركا له حرية اختيار المؤسسة الإعلامية التي يريد التدرب فيها، ليخرج بناء على ذلك خطاب من الجامعة مخاطبا المؤسسة المختارة بتقديم طلب الموافقة على تدريب الطالب وإنهاء ما يقارب 96 ساعة تدريبية بدون ذكر ما يبحث عنه المتدرب خلال هذه المدة، أو حتى
ذكر الشخص المسؤول عن تدريبه. ثم يأتي بعدها كتاب الموافقة على التدريب من قبل المؤسسة الإعلامية بغياب واضح لتفاصيل التدريب والنتائج المتوقعة منه، ليبدو وكأنهم يرمونك إلى عرض البحر دون بوصلة.
تذكر الطالبة ملاك حسين أن تجربتها في التدريب كانت مريرة، خاصةً وأنها “تعرضت لتهميش كبير من قبل الصحفية المسؤولة عنها، فقد كانت تأتي إلى المؤسسة كل صباح بهدف التدريب لتصطدم بواقع مختلف”، واصفةً إياه بالعقيم الذي لم يضف لها شيئا من المعرفة!
تقول ملاك إن المسؤولة عن تدريبها كانت تتركها جالسة دون فعل شيئ أو دون الحديث معها حتى وأحيانا اخرى تذهب تاركة إياها غير مبالية بوجودها كمتدربة تطلع لاكتساب المعرفة. لم تنته هنا تجربة ملاك في التدريب، ذلك أن المؤسسة أنهت تدريبها بشكل مفاجئ دون إخبارها بذلك، فعند قدومها للمؤسسة في أيام تدريبها منعها موظف الاستقبال من دخول المؤسسة بحجة انتهاء تدريبها مع أنها لم تكمل الشهر.
المصدر | مجلة الصحافة.