ظّم منتدى باميلا هوارد لتغطية الأزمات العالمية جلسة حوارية مع الصحفي الاستقصائي رياض قبيسي الحائز على جائزة نايت للصحافة الدولية لعام 2023 الصادرة عن المركز الدولي للصحفيين، قدّم خلالها إرشادات مهمة للصحفيين لمساعدتهم في إجراء تحقيقات استقصائية مكتوبة وكيفية تحويلها تليفزيونيًا، وخطوات إجراء التحقيق الاستقصائي، وكيفية حساب المخاطر قبل البدء في إجراء التحقيقات، وكيفية حماية أنفسهم جسديًا ورقميًا وغيرها من الموضوعات.
وقبيسي هو صحفي استقصائي ومذيع تليفزيوني كشف بشجاعة الفساد في لبنان، ويقود فريقًا من سبعة صحفيين وطاقم تصوير يعملون في وحدة التحقيقات في قناة الجديد اللبنانية، التي انضم إليها في عام 2006، كما ساهم في عدة تحقيقات رئيسية عابرة للحدود مثل أوراق بنما، وSwiss Leaks، وشارك في سلسلة تحقيقات استقصائية خلال مشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود، ودرج للإعلام، كما فاز بعدة جوائز منها جائزة “أريج للصحافة الاستقصائية”.
استهلت المحررة المسؤولة عن شبكة الصحفيين الدوليين سارة عبد الله الجلسة بتهنئة قبيسي لحصوله على جائزة نايت للصحافة الدولية لعام 2023، والتي تمثل له تقديرًا معنويًا كبيرًا وخصوصًا لأنه يعمل في مجال التحقيقات الاستقصائية التي تكشف الفساد في لبنان، وذلك بحسب قوله.
وبعدها سألت عبد الله قبيسي عن كيفية العثور على أفكار مناسبة للتحقيقات الاستقصائية التليفزيونية؛ فأشار إلى أنواع مختلفة من الموضوعات التي تهم الناس مثل “الموضوعات التي يحتاج الناس لمعرفتها want to know”، و”الموضوعات التي يجب أن يعرفها الناس must to know”، وفي كل الأحوال يجب أن يهتم الصحفي بالموضوعات التي تتعلق بالصالح العام، إضافة إلى اهتمامه بالسرد القصصي لأحداث قصته ليجعلها جاذبة للقراء.
حماية مصادر المعلومات عند إجراء التحقيقات الاستقصائية
ردًا على سؤال حول كيفية حماية مصادر المعلومات، أشار قبيسي إلى أهمية حماية الصحفي لمصادره من المخاطر من خلال تعريفهم بالمخاطر المترتبة على نشر التحقيق حتى لا يُعرض سلامتهم للخطر، لأن المصدر لو لحق به أي أذى سيترتب عليه حدوث مخاوف من التعامل مع الصحفي مرة أخرى، وينبغي أن يهتم الصحفيون بعملية التحقق من صحة المعلومات التي يحصلون عليها من مصادرهم، وعدم الاعتماد عليهم كمصادر وحيدة للمعلومات.
وينصح قبيسي الصحفيين بإجراء حساب المخاطر أثناء صياغة فرضية تحقيقاتهم الاستقصائية، وعلى هذا الأساس يمكننا المقارنة بين أهمية الموضوع وحجم المخاطر التي ستترتب عليه ومدى قدرتنا على التعامل مع هذه المخاطر. ويؤكد أهمية محافظة الصحفيين على أنفسهم وعدم المجازفة بحياتهم في سبيل إجراء تحقيق استقصائي، ولكن من الأفضل أن يعرض الصحفي قضيته بدون تعريض حياته أو مصادره أو أحد فريقه للخطر.
أوجه الاختلاف بين التحقيق الاستقصائي التليفزيوني والمكتوب
وفي إطار سؤاله عن أوجه الاختلافات الرئيسية بين التحقيقات التليفزيونية والمكتوبة، أشار قبيسي إلى أن التحقيقات التليفزيونية تتطلب قدرًا عاليًا من الاحترافية في إعدادها وخصوصًا لأن الناس تميل إلى مشاهدة المنصات الترفيهية والمواد الخفيفة، وبالتالي يجب أن تكون اللغة بسيطة ومحببة إلى الجمهور، وينبغي عدم تلقين المعلومات للجمهور حتى لا ينفروا من المشاهدة، ويمكننا أيضًا توظيف أدواتنا في مراحل التصوير والإعداد والإخراج حتى نستفز الجمهور لطرح أسئلة معينة أثناء المشاهدة. كما أنّ التحقيق الاستقصائي التليفزيوني يُحتم على الصحفي عرض حوالي 40% من المعلومات التي قام بجمعها ليكون قابلاً للمشاهدة، وينبغي أن يوازن الصحفي بين المعلومات والعناصر التشويقية من أجل جذب المشاهدين.
وبالنسبة للتحقيقات الاستقصائية العابرة للحدود، فهي غنية بالمصادر، وتختلف ردود فعلها من بلد لآخر، وعبر منصات النشر المختلفة، فمثلاً فرضية “التهرب الضريبي” التي طرحها تحقيق “وثائق بنما” لم تلقَ درجة الأهمية نفسها لدى الرأي العام في مختلف المجتمعات.
وبعد ذلك تطرّق قبيسي إلى أنه يأخذ بعين الاعتبار ردود فعل مستخدمي السوشيال ميديا وتفاعلهم مع المواد والحلقات التي يعرضونها كمؤشر لتحديد خصائص واحتياجات الجمهور، ولكنها ليست كافية بالطبع في ظل وجود حلقات محظورة على التليفزيون والتي لن يستطيع مستخدمو السوشيال ميديا الوصول إليها.
السلامة المهنية والرقمية للصحفيين
وبسؤاله عن طرق ووسائل حماية وتأمين الصحفيين لأنفسهم رقميًا وجسديًا، أشار قبيسي إلى أهمية قيام الصحفيين باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة من خلال تأمين حساباتهم على كافة صفحات التواصل الاجتماعي حتى لا يتم خرقها بسهولة من المتربصين بهم، وألا يقوموا بالرد على الأشخاص الذين يقومون بإجراء حملات ممنهجة ضدهم عبر السوشيال ميديا، وأن يقوم الصحفي بإجراء حساب المخاطر قبل بدء تحقيقه الاستقصائي، ويفضل ألا يتواجد الصحفي في أماكن معينة وذلك في حالة تعرضه لحملات تحريضية ممنهجة.
التصوير السري أثناء إجراء التحقيقات الاستقصائية
أشار قبيسي إلى أنه لا يتبع المدرسة الكلاسيكية التي تقوم على منهجية إخفاء وجوه المصادر الذين تتمّ محاورتهم، لإيمانه بأهمية مواجهة الشخص الذي يدور حوله التحقيق الاستقصائي وإعطائه حق الرد.
وهناك بالطبع محاذير متعلقة بالتصوير السري؛ فهو أمر غير محبذ لأنه ينتهك خصوصية الناس، فالكاميرات التي يتم زرعها سرًا لها مخاطر كبيرة في حالة عرضها لصور أشخاص غير معنيين بالملف الذي يقوم الصحفي بإعداده. ولكنك إذا قمت بالتصوير السري لفضح موظف يأخذ رشوة، فإنّك ترتكب الجرم الأصغر لفضح الجرم الأكبر، أما التصوير السري للمسؤولين الذين يرتكبون جرائم سرقة المال العام فهو وسيلة معتمدة من أجل توثيق جرائمهم.
وأعطى قبيسي مثالاً آخر عن التحقيق الذي أجراه صحفي يعمل في “بي بي سي” عام 2006، حيث كشف بفيديوهاته “العنصرية داخل شرطة مانشستر” وذلك من خلال عمله في شرطة مانشستر لمدة 6 أشهر، حتى اكتشفوا أنه يتجسس عليهم، وتم حبسه لفترة وجيزة وبعدها أطلقت الشرطة سراحه، لأنه أثبت أنه يعمل للصالح العام.
نصائح مهمة للصحفيين الاستقصائيين
قدّم قبيسي نصائح وإرشادات مهمة للصحفيين الاستقصائيين خلال الجلسة، من أهمها:
-ألا يقوم الصحفي بفبركة الأدلة أو استبعاد أدلة معينة لإثبات فرضية تحقيقه الاستقصائي.
-أن يعطي الصحفي حق الرد للأشخاص الذين يقوم بمحاورتهم، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل مجتمع.
– أن يلتزم الصحفي بالمعايير الأخلاقية عند إجراء تحقيقات استقصائية عن الأطفال.
– أن يُفكر الصحفي جيدًا في تداعيات تصوير الأطفال.
-أن يُلخص الصحفي فرضيته الاستقصائية في (فاعل، فعل، مفعول به)، ثم يُحدد مصادر معلوماته، وكيف يثبت فرضيته، والمخاطر المترتبة على نشر الموضوع.
-أن يجري الصحفي تحقيقاته الاستقصائية وفق منهجية الفرضية، وإذا لم يتمكن من إثباتها يقوم بتعديلها أو يلغي موضوعه.
– أن يتأكد الصحفي بأن منصة النشر متحمسة لنشر التحقيق حتى يستطيع تأمين نفسه.
وردًا على سؤال حول أهمية تدوير المحتوى، ردّ أنه يمكن أن يوظف الصحفي منصات النشر المختلفة بعد إجراء تحقيقه الاستقصائي التليفزيوني، وذلك من خلال عرضه عبر التليفزيون، وبث فيديوهات قصيرة على السوشيال ميديا لتواكب عرضه تليفزيونيًا بحيث تحتوي على معلومات إضافية لم يستطع الصحفي عرضها في برنامجه، وتصميم موقع إلكتروني يحتوي على الوثائق المتعلقة بالموضوع، ولكن يتطلب هذا الأمر تكلفة مادية كبيرة وفرقًا تعمل على إنجازه بالشكل المطلوب.
وردًا على سؤال وجهه أحد الحاضرين أثناء الجلسة عن قيامه بتحقيقات استقصائية عن انفجار مرفأ بيروت، فأشار قبيسي إلى أنه قام مع فريقه بجمع الوثائق المرتبطة بانفجار المرفأ، وكيفية تعامل القوى السياسية معه، ونصح الحاضرين بمطالعة موقع “beirutportexplosion” للإلمام بكافة تفاصيل الموضوع.