أكدت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، مساء أمس الأربعاء، أن غاري لينيكر تنحى عن منصبه كمقدم مشارك لبرنامج “شخصية العام الرياضية”، وذلك بعد أنباء عن مغادرته برنامج “مباراة اليوم” الذي يُبث منذ فترة طويلة. يأتي قرار التنحي بعد أزمة سابقة بين أسطورة كرة القدم و”بي بي سي”، بسبب تصريحاته الرافضة للإبادة الجماعية في غزّة وانتقاداته ضد الحكومة المحافظة السابقة.
وإن كان تنحي غاري لينيكر لم يربط مباشرة بخلافاته مع “بي بي سي”، إلا أن القضية تعود لعام 2022، بعدما طلبت هيئة الإذاعة البريطانية منه الاعتذار عن تشبيهه لغة سياسة اللجوء التي تنتهجها الحكومة المحافظة باعتبارها تشبه لغة ألمانيا في ثلاثينيات القرن العشرين. وبعد رفضه المبدئي القيام بذلك، انضم زملاؤه المذيعون إلى إضرابه، وأعادته “بي بي سي” لاحقاً.
غاري لينيكر يساند الفلسطينيين
تعرضت “بي بي سي” لانتقادات واسعة ومتكررة بسبب تحيز تغطيتها لإسرائيل أثناء الإبادة الجماعية التي ترتكبها الأخيرة ضد الفلسطينيين في غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. لكن المذيع رفض التراجع عن التهديدات والضغوط لدعم جرائم الحرب الإسرائيلية. وبدلاً من ذلك، أصر على الدفاع عن حقوق الإنسان.
عندما بدأت إسرائيل تفرض عقوبات جماعية مرة أخرى على أهالي قطاع غزة، وقف غاري لينيكر إلى جانب المتظاهرين الذين كانوا يواجهون التشهير من الحكومة، وكتب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023: “إن المظاهرة والدعوة إلى وقف إطلاق النار والسلام حتى لا يُقتل المزيد من الأطفال الأبرياء لا يعد في الواقع تعريفاً لمسيرة الكراهية”، رداً على تحريض وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان. وشارك المذيع المخضرم عدداً من المنشورات في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنة الأخيرة حول الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة، منها منشورات تصف ما يحصل بالإبادة جماعية. في مايو/ أيار 2024، تحدث غاري لينيكر مع الصحافي مهدي حسن عن إبادة غزة، ووصفها بأنها “أسوأ شيء رأيته في حياتي”. وأضاف: “أنا لست إسرائيلياً. أنا لست فلسطينياً. لذلك أعتقد أنني أرى الأمر من الخارج… من منظور محايد”. وتابع: “في اللحظة التي ترفع فيها صوتك ضد ما يفعلونه هناك الآن، تُتّهم بأنك من أنصار حماس… هناك الكثير من الضغوط على الناس لكي يلتزموا الصمت. لذا فأنا أفهم سبب امتناع معظم الناس عن الكلام. لكنني أصبحت أكثر هدوءاً الآن… فأنا أشعر بالأمان إلى حد ما. ولا يمكنني أن ألتزم الصمت بشأن ما يحدث هناك… إنه أمر مروع للغاية”.
يذكر أن لينيكر نشر تغريدة حول مقاطعة إسرائيل لكنه تراجع عنها لاحقاً بعد تلقيه تهديدات من مناصري الاحتلال الإسرائيلي. وكانت التغريدة من الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI)، تقول: “إن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يدعو اللجنة الأولمبية الدولية والفيفا وجميع الهيئات الرياضية الإقليمية والدولية إلى اتخاذ موقف عاجل بشأن الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة لحقوق الإنسان وإخضاعها لإجراءات المساءلة القانونية”. وقال حينها لصحيفة ذا غارديان: “كل شخص أتحدث معه يسأل: ماذا؟ ماذا يحدث؟ (…) لكن في اللحظة التي أقوم فيها بالتغريد، يصبح الأمر شديد السمّية”. وأضاف: “إذا كنت تميل إلى جانب أو آخر، فإن مستويات الهجوم غير عادية. كيف يمكن أن تكون الرغبة في السلام مثيرة للجدل؟ أنا فقط لا أفهم ذلك. ليس من الضروري أن تكون معادياً للإسلام لتدين حماس، أو معادياً للسامية لتدين إسرائيل. لكن في الوقت الحالي الأمر فظيع”.
ورغم رحيله عن برنامج “مباراة اليوم”، سيستمر لينيكر في أداء أدوار أخرى في هيئة الإذاعة البريطانية، إذ وقع الرجل البالغ من العمر 63 عاماً على تمديد عقد مع هيئة الإذاعة البريطانية حتى كأس العالم للرجال 2026. سيقدم أيضاً تغطية “بي بي سي” لكأس الاتحاد الإنكليزي للموسم المقبل. وسيُكرّم في الحفل السنوي الرياضي في المملكة المتحدة. وسيواصل مهاجم إنكلترا السابق تقديم بودكاست “أفضل عشرة لاعبين في مباراة اليوم”، وستتم استضافة بودكاسته الشهير “الباقي هو كرة القدم” على “بي بي سي ساوندز”.
وفي بيان أصدره الثلاثاء، قال لينيكر: “يسعدني أن أواصل ارتباطي الطويل بهيئة الإذاعة البريطانية الرياضية، وأود أن أشكر كل من ساعد في تحقيق ذلك”. استضاف المذيع برنامج كرة القدم الأسبوعي منذ عام 1999 وأصبح المقدم الأعلى أجراً في هيئة الإذاعة البريطانية الممولة من الترخيص، براتب يبلغ نحو مليون جنيه إسترليني سنوياً.
اتهامات التحيز تلاحق “بي بي سي”
وفي سياق متصل، اتهمت الرئيسة التنفيذية لهيئة الإذاعة البريطانية ديبورا تورنيس، الشهر الماضي، منتقدي تغطية الهيئة للعدوان الإسرائيلي على غزة بأنهم عالقون في فقاعات وسائل التواصل الاجتماعي. وفي منشور على مدونتها، بَدَت تورنيس وكأنها ترد على وابل من الشكاوى التي تعرّضت لها الهيئة خلال عام من العدوان، حيث أقرت بأن “بي بي سي” ارتكبت أخطاءً وقالت إنها ستستمع دائماً إلى “أشد منتقدي” المؤسسة، مدافعةً عن “حيادها”.
واتهم صحافيون وأكاديميون ومتابعون “بي بي سي” بمحاباة الاحتلال الإسرائيلي والانحياز إليه منذ بدء العدوان، وفي الوقت نفسه طارد مؤيدو الاحتلال الموظفين المناصرين للفلسطينيين داخل الهيئة وشنّوا حملات كراهية وتحريض منظمة بحقهم. وشهدت مقار “بي بي سي” في المملكة المتحدة خلال السنة الأخيرة عدداً من الوقفات والاحتجاجات، بعضها وصل إلى حد اقتحام مكاتبها. وفي بداية الشهر الحالي، وقّع أكثر من 230 صحافياً وسياسياً وناشطاً في المجال الإعلامي، بينهم 101 في “بي بي سي”، رسالة استنكروا فيها انحياز المؤسسة البريطانية إلى جانب إسرائيل، وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، والفشل في تقديم تغطية “عادلة ودقيقة” للعدوان المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وطالب موقعو الرسالة الموجهة إلى المدير العام لـ”بي بي سي” تيم ديفي، وبينهم الوزيرة البريطانية السابقة سعيدة وارسي والمؤرخ ويليام دالريمبل والممثلة المناصرة للفلسطينيين جولييت ستيفنسون، المؤسسة بتقديم تغطية لما يحدث في غزة “من دون خوف أو محاباة”. ولم يكشف موظفو “بي بي سي” الموقعون على الرسالة عن هوياتهم.