أخر الأخبار

شهادات صحفيين في مؤسسات غربية حول تغطية حرب غزة.. الرواية الأخرى

وثقت مجلة الصحافة خلال الفترة التي تلت هجوم السابع من أكتوبر أنماطا مختلفة من الانتهاكات المهنية والأخلاقية في تغطية مؤسسات صحفية غربية للحرب على غزة.

كانت الغاية من هذا التوثيق كشف تناقضات مؤسسات مهنية تقدم نفسها مرجعياتٍ مهنيةً في الصحافة مستثمرة مصداقيتها في تغطية القضايا الداخلية لتسويغ جرائم الاحتلال وتوفير غطاء له، مثلما حدث عندما زعمت صحيفة نيويورك تايمز غداة السابع من أكتوبر اغتصاب مقاتلين من حماس للنساء دون الاستناد إلى أي أدلة موضوعية.

لقد كانت هذه التغطية المتهمة بالانحياز الكامل للرواية الإسرائيلية موضع مساءلة ليس فقط من الرأي العام العالمي، بل من صحفيين يعملون داخل غرف أخبار وسائل إعلام مؤثرة وجدوا أنفسهم محاصرين بتوجيهات تحريرية تنتصر لإسرائيل لا للقيم المؤطرة للمهنة.

في هذا المقال حاولنا جمع شهادات صحفيين وجهوا انتقادات لمؤسساتهم كما وردت في تقارير أو رسائل أو مقابلات صحفية. معظمهم أدلى بشهادته دون الكشف عن هويته خوفا من العواقب؛ لأن حرية التعبير تبدو مصانة إلى أن يصل الأمر حدود إسرائيل، عندئذ تظهر الإكراهات والحواجز، وتتبدل السياسات التحريرية، وتفعّل منظومة المعايير المزدوجة.

كانت القيم الكبرى لمهنة الصحافة وممارساتها منحازة في ضمائرنا للإنسان دون أي تمييز، لكن الشهادات تفضح الانتهاكات الخطيرة داخل مؤسسات صحفية غربية تدّعي الدفاع عن الصالح العام والبحث عن الحقيقة.

تقدم هذه الشهادات صورة دقيقة التفاصيل عن التعامل التمييزي لقادة غرف الأخبار الغربية مع قضية فلسطين، آثرنا أن ننقلها كما هي دون تعديلات أو إضافات.

“حرفيا، بكيتُ في الحمام مراتٍ عديدةً بسبب صعوبة نقل الأخبار [عن غزة]”.

صحفي في التايمز البريطانية (تصنف بأنها صحيفة يمينية)

“لطالما هيمنت الرواية الإسرائيلية على المشهد الإعلامي في سكاي نيوز، ووجّهت التغطية الإعلامية، مهما كانت غير دقيقة”.

صحفيون عاملون في قنوات تلفزيونية

“استخدام كلمة إبادة جماعية محظورٌ فعلياً، وأي كاتبٍ يستخدم هذه الكلمة يستبعد فوراً”.

صحفي في بي بي سي البريطانية

“غالبًا ما تُقابل اللقطات المأساوية بتعليقات حول حجم المشاهدات التي ستحققها، كما لو أنها لا تُؤثر على حياة الناس الحقيقية”.

“حتى عندما نغطي حرب غزة، فإن التغطية كانت مدفوعة بالنقرات وليس بالوضوح الأخلاقي.. غالبًا ما تُقابل اللقطات المأساوية بتعليقات مثل: “هذا مقطع جيد حقًا”، أو بملاحظات حول حجم التفاعل الذي ستحققه، كما لو أن حياة الناس لا تتأثر في الواقع. العمل في بيئة يبدو فيها الزملاء غير مبالين بهذه المآسي أمرٌ في غاية الصعوبة”.

صحفي في آي تي إن البريطانية

“إنها معركة مستمرة لنقل الحقيقة من غزة”.

“أتذكر عندما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك (يوآف غالانت) “الحصار الشامل” فورًا بعد 7 أكتوبر. كان حصارًا إضافيًا يضاف إلى حصار مُنهِك أصلًا يمثل انتهاكًا للقانون الدولي ستكون له عواقب وخيمة، ومع ذلك لم يُسمح بإبرازه في التغطية الإعلامية”.

“كنا أنا وزملائي نشعر بالإحباط بشكل متكرر لعدم الإبلاغ عن أي شيء إلا بعد رد أو تأكيد من الجيش الإسرائيلي”.

“نعرف من يَقتُل، ونعرف مَن المسؤول، فلماذا ننتظر من إسرائيل تأكيدا أو نفيا قبل نسب التهمة؟ لا ننتظر الروس أبدًا؛ نأخذ الادعاءات الأوكرانية كحقائق، فَهُم الضحايا. لماذا يختلف هذا الوضع؟”.

“لم نُسائِل أي رواية قدمتها إسرائيل، بل كانت تُعتبر دائمًا حقيقة. أتذكر تحدي كبار الموظفين وتذكيرهم بأن إسرائيل تكذب مرارًا وتكرارًا، ولها تاريخ في ذلك لكن بلا جدوى، ولم يلق آذانا صاغية. لطالما هيمنت الرواية الإسرائيلية على المشهد الإعلامي في سكاي نيوز، مهما كانت غير دقيقة”.

“تبني أي موقف يخالف حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أو معارضة التغطية المشوهة، من شأنه أن يسبغ عليك وصفًا بالتشدد أو التصلب”.

“لو أجرينا مقابلة مع السفير الفلسطيني تنقل رواية الجانب الفلسطيني بشكل شامل، أو تحدى مقدم برنامج متحدثًا باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، أو حتى إنتاج تقرير إخباري يؤنسن الفلسطينيين ويسمي إسرائيل باعتبارها الجاني، لكان هناك سيل من المكالمات الهاتفية والشكاوى على الفور”.

“كان المتحدثون الرسميون أو المسؤولون الإسرائيليون – ممن لديهم إمكانية الوصول إلى كبار الشخصيات – يضغطون على سكاي نيوز، وكثيرًا ما يهددون بمنع المراسلين الميدانيين نتيجةً لذلك، وقد أثر هذا بوضوح على ما يُقال وما لا يُقال على الهواء”.

صحفي في سكاي نيوز البريطانية

“التركيز المتعمد على الإسرائيليين الذين فقدوا أرواحهم، ورهائنهم، مع قيام الصحفيين بتسميتهم وتطوير روايات عنهم كانت متعاطفة للغاية وإنسانية، ولكن لم يكن هناك مثل هذه المعالجة للفلسطينيين”.

صحفيان سابقان في بي بي سي البريطانية

“رغم عدم التناسب في الصراع، كان محررو البرامج يُصرّون على مساواة الأصوات الفلسطينية مع الأصوات الإسرائيلية. عندما عرضتُ تقريرًا عن فلسطينيٍّ تأثرت عائلته بالدمار في غزة، قيل لي فورًا إنه يتعين علينا إيجاد قصة إسرائيلية مماثلة. كان ذلك اعترافًا بأن التركيز على معاناة الفلسطينيين لا يستحق تقريرًا مستقلًا”.

“في نوفمبر 2023، وبينما كانت لقطات الحصار الإسرائيلي على مستشفى الشفاء تصل إلى المكتب، كنتُ أتدرب مع زميل لي، وقلتُ له: “لا أصدق أن الجيش الإسرائيلي مسموح له بفعل هذا”. فردّ عليّ: “لا أصدق أن حماس تستخدم الأطفال دروعا بشرية”. عجزتُ عن الكلام. إنها جريمة حرب تُرتكب أمام أعيننا، ويتم تجاهلها”.

“هذه التوجهات لا تقتصر على المستوى الفردي فحسب، بل إن التحيز في المؤسسة أعمق بكثير”.

“في عام 2021، أتذكّر حضوري دورة تدريبية حول الحيادية، طرح البعض موضوع التقارير الصحفية عن إسرائيل وفلسطين وكيفية التعامل معها على أفضل وجه. وصف المدرب الوضع بأنه معقد، دون أي اعتراف بالاختلال الهائل في موازين القوى والقدرات”.

صحفي في بي بي سي البريطانية استقال نهاية 2023

“فشلت بي بي سي في نقل هذه القصة بدقة من خلال إغفالها وغياب التفاعل النقدي مع مزاعم إسرائيل، وبالتالي فشلت في مساعدة الجمهور على فهم انتهاكات حقوق الإنسان المتكشفة في غزة. لقد قُتل آلاف الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر. متى سيصل هذا العدد إلى حدٍّ كافٍ لتغيير موقفنا التحريري؟”.

“إن مصطلحات مثل ” مجزرة” و”فظاعة” مخصصة عبر منصات الهيئة البريطانية فقط لحماس لتصويرها على أنها المُحرِّض الوحيد ومرتكب العنف في المنطقة. هذا غير دقيق، ولكنه يتماشى مع التغطية العامة لهيئة الإذاعة البريطانية”.

“هجوم حماس، وإن كان مروعًا ومدمرًا… لا يُبرر القتل العشوائي لآلاف المدنيين الفلسطينيين، ولا يُمكن تصوّر هيئة الإذاعة البريطانية داعمةً أو مُتخاذلةً في استجواب هذا المنطق”.

“نطالب هيئة الإذاعة البريطانية بأن تعكس بشكل أفضل وتعتمد على النتائج المستندة إلى الأدلة التي توصلت إليها المنظمات الإنسانية الرسمية والمحايدة”.

” نطالب بضمان أن تكون المعاملة متساوية لجميع المدنيين في صميم تغطية [بي بي سي]”.

“في المقابل، كانت التغطية الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين غائبة. إن القول بأن بي بي سي لم تتمكن من تغطية أخبار غزة بشكل أفضل بسبب صعوبة الوصول إلى القطاع ذريعة واهية… ويتحقق ذلك – على سبيل المثال – من خلال سرد قصص فردية ومتابعتها على مدار أسابيع. كما لم تُبذل جهود تُذكر للاستفادة الكاملة من وفرة محتوى وسائل التواصل الاجتماعي من الصحفيين الشجعان في غزة والضفة الغربية”.

“على نحو واسع خلال الأسابيع القليلة الماضية، ومع تزايد أعداد القتلى المدنيين بشكل كبير وتراجع رغبة الدول الغربية في تحمل هجمات إسرائيل، بذلت هيئة الإذاعة البريطانية جهودًا أكبر لأنسنة المدنيين الفلسطينيين. يرى كثيرون أن هذا الإجراء غير كاف ومتأخر جدًا، ويُظهر أن مواقف حكومتي المملكة المتحدة والولايات المتحدة تؤثر بشكل غير مسوّغ على التغطية الإعلامية”.

“هذه المؤسسة لا تمثلنا.. بالنسبة لي، وبالتأكيد لغيري من ذوي البشرة الملونة، نرى بوضوح أن حياة بعض المدنيين تُعتبر أسمى من غيرها، وأن هناك نوعًا من التسلسل الهرمي. هذا مؤلم للغاية؛ لأنه – في الواقع – لا أحد منا يجد صعوبة في التعاطف مع المدنيين الفلسطينيين”.

“يبدو لهم أن بعض الموظفين وكبار المراسلين لا يتعاطفون مع الفلسطينيين بقدر تعاطفهم – على سبيل المثال – مع المدنيين الأوكرانيين”.

“شعرت بالغثيان من الخسارة الفادحة لأرواح المدنيين [خلال هجمات حماس]، شعرتُ أيضًا بعدد من المخاوف المتداخلة، بما في ذلك أن تغطية جهة عملي – هيئة الإذاعة البريطانية – ستفشل في أداء واجبها في التحقيق الكافي في هذا الرد [الإسرائيلي] أو توفير سياق مناسب لعقود من الاحتلال.. تأكّدت مخاوفي على الفور”.

نظمت بي بي سي “جلسات دعم واستماع لصدمات الموظفين المتضررين من النزاع. لكن بالنسبة للكثيرين منا، خاصةً الأشخاص ذوي البشرة الملونة، كانت بي بي سي جزءًا من محنتنا”.

صحفيون في رسالة سرية إلى الجزيرة

“لأن التعبير عن الذات هو وضعنا الراهن، فإن أكثر أشكال الاحتجاج فاعلية للفنانين أحيانًا هو الرفض”.

لا يمكنني الكتابة عن الشعر وسط النبرات “العقلانية” لأولئك الذين يسعون إلى تعويدنا على هذا العذاب غير المعقول. لا مزيد من التلطيف المروع. لا مزيد من الجحيم اللفظي المعقم. لا مزيد من أكاذيب التحريض على الحرب”.

إذا تركت هذه الاستقالة فراغًا في الأخبار بحجم الشعر، فهذا هو الشكل الحقيقي للحاضر”.

من رسالة استقالة آن بوير، محررة قصائد الشعر في نيويورك تايمز

“أُبلغت بأنه سيتم استبدالي كرئيس تحرير في إي لايف بسبب إعادة نشري مقالا من ذي أونيون تستنكر اللامبالاة تجاه حياة المدنيين الفلسطينيين”

تدوينة لمايكل آيزن، رئيس تحرير مجلة إي لايف العلمية

“فرنسا التي طالما ادعت أنها قبلة لحرية التعبير وحقوق الإنسان في العالم هي من المساندين للمحرقة البشعة التي يمارسها الكيان الصهيوني… لقد بدأت مضايقتي منذ سنة، وسحبت مني جائزة سيمون فايل التي منحت لي باسم حرية التعبير؛ لأني مارست حريتي في التعبير بشأن الصدمة الكبرى والوجع الشديد الذي أشعر به عندما تنزع الإنسانية عن الفلسطينيين”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى