CNN والانحياز البنيوي للاحتلال: قبل تال شاليف وبعدها
إعلام وحريات
في الثالث من سبتمبر/أيلول الحالي، أعلنت شبكة سي أن أن الأميركية في بيان صحافي عن “تعيين تال شاليف في منصب مراسلة أولى في مكتبها في القدس”، وجاء في البيان نفسه: “بخبرة تمتد لنحو عقدين في تغطية مختلف جوانب السياسة والمجتمع الإسرائيلي، ستساهم شاليف في تعزيز التغطية الإخبارية للشبكة من المنطقة في لحظة غير مسبوقة ومفصلية”. كذلك أعلنت الشبكة عن تعيين زينة صيفي في منصب منتجة ميدانية في مكتب القدس، علماً أن صيفي سبق أن عملت كمنتجة في مكتب الشبكة في أبوظبي.
غضب من تعيين تال شاليف
سريعاً أثار تعيين تال شاليف موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب مواقفها المتماهية مع مواقف جيش الاحتلال، في ظل تواصل حرب الإبادة في قطاع غزة منذ قرابة عامين. فقد انتشرت صورة لها في ديسمبر/كانون الأول 2023، أي بعد شهرين من بدء الحرب، نشرتها على حسابها في فيسبوك، تظهر فيها وهي ترتدي خوذة وسترة واقية واقفة إلى جانب دبابة إسرائيلية، مع تعليق “لديّ ضعف على الدبابات، غزة 2023”. اختيار تال شاليف التي شغلت منصب المراسلة والمحللة السياسية الرئيسية في موقع Walla! News، أحد أكبر المنصات الإسرائيلية، لم يكن مفاجئاً؛ إذ إنّ مكتب القناة في القدس المحتلة صار منذ سنوات جزءاً من آلية الهيمنة الإسرائيلية على السردية الإعلامية العالمية.
إشكالية المنهج التحريري
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومع انطلاق عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي الشرس على قطاع غزة، تواجه شبكة سي أن أن موجة انتقادات داخلية غير مسبوقة. موظفون وصحافيون في غرف الأخبار، داخل الولايات المتحدة وخارجها، كشفوا أن البثّ خضع لتشويه بفعل أوامر الإدارة وآلية الموافقة على الأخبار، ما أفضى إلى رقابة صارمة على الأصوات الفلسطينية وإلى اجترار ممنهج للدعاية الإسرائيلية.
صحيفة ذا غارديان البريطانية نقلت عن موظفين في الشبكة قولهم إنّ “غالبية الأخبار، بغض النظر عن دقة تقاريرها الأولية، انحرفت بسبب التحيّز المؤسّسي تجاه إسرائيل”، الأمر بلغ حدّ وصف تغطية الحرب بأنها “سوء ممارسة صحافية”.
هذه التوصيفات لم تأتِ من خارج الشبكة فحسب، بل من صحافيين يعملون يومياً في جمع الأخبار. أكثر من 12 مذكرة داخلية ورسائل بريد إلكتروني مسربة كشفت أن التوجيهات تصدر من مقرّ القناة الرئيسي في أتلانتا مباشرة، وأنها تشمل تعليمات محددة حول كيفية صياغة الأخبار، واللغة المسموح بها، وما ينبغي حجبه أو تأخيره.
أبرز هذه التوصيات كانت:
تمرير جميع التقارير المتعلقة بفلسطين وإسرائيل عبر مكتب القدس، الخاضع للرقابة العسكرية.
التشكيك الدائم بأرقام وزارة الصحة في غزة، رغم تأكيد دقتها من هيئات دولية.
التذكير المستمر بأن “المسؤول المباشر هو هجوم حماس”.
هذه التعليمات حوّلت التغطية إلى عملية تبرئة متواصلة للجيش الإسرائيلي، بحسب شهادات صحافيين من داخل الشبكة، لكن لنعد إلى التوصية التحريرية الأولى؛ فإحدى أبرز السياسات التي فجرت غضب الموظفين هي إلزام كل مكتب تابع للشبكة حول العالم بتمرير تقاريره المتعلقة بفلسطين وإسرائيل عبر مكتب القدس قبل النشر. منذ يوليو/تموز 2023، أنشأت الشبكة ما يسمى بـ”سيكند آي” (Second Eye)، وهو إجراء مراجعة يُفترض أنه يضمن الدقة، لكنه تحوّل عملياً إلى أداة للرقابة الذاتية وتجنب غضب اللوبيات الإسرائيلية.
النتيجة كانت واضحة: تصريحات الحكومة الإسرائيلية تُبثّ على الهواء مباشرة، بينما تؤخَّر تصريحات فلسطينية أو تُلغى بالكامل. أحد الموظفين وصف هذا النظام بأنه “رقابة بديلة” لصالح حكومة الاحتلال، تقود إلى لغة موجهة تبرّئ الجيش الإسرائيلي وتهمّش الضحايا الفلسطينيين.
أمثلة الانحياز ليست قليلة. حين اقتحم جيش الاحتلال مستشفى الرنتيسي للأطفال في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ادعى أن حماس تحتجز رهائن داخله، مقدماً ما وصفها بـ”أدلة” على الجدران. كان الدليل مجرد جدول مناوبات للأطباء، لكن سي أن أن تبنّت الرواية في تقرير مصوّر من دون أي تدقيق. الأمر نفسه تكرر مع الأكذوبة الأشهر عن “قطع رؤوس الأطفال”، التي ردّدتها المذيعة سارة سيدنر مباشرة على الهواء. لاحقاً، اضطرت للاعتراف بالخطأ والاعتذار، لكن بعد أن انتشرت الرواية عالمياً.