الرسالة نت-مها شهوان
سكان الضفة المحتلة يميزون جيدا أصوات الجيبات الإسرائيلية ووقع أقدام الجنود حين يقتحمون البنايات السكنية للبحث عن مطلوب، فالأمر طبيعي بالنسبة لهم، لكن ما حدث كان مفاجئا لعائلة الصحافي عبد الرحمن ظاهر والمفرج عنه منذ شهر من سجون السلطة.
في ساعات الفجر الأولى اقتحم جنود الاحتلال الإسرائيلي البناية السكنية التي يعيش فيها “ظاهر” برفقة زوجه وطفليه، انتبه الصحافي لوجود سيارات عسكرية أسفل البناية ولم يعر الامر انتباها، لكن طرقهم لأبواب السكان والسؤال عن هوياتهم لم يكن عاديا لاسيما حين وصل الأمر إلى شقته.
فتح ظاهر الباب لجنود الاحتلال وسألوه من أنت، ليجيب “عبد الرحمن ظاهر” ليرد عليه الجندي “انت الصحافي المشهور؟، فأجابه: أنا صحافي بس مش مشهور.
وبحسب رواية زوجته فقد طلب الجندي من “عبد الرحمن” أن يحضر هويته ليتأكد منها وبمجرد أن ذهب ليحضرها اقتحم الجنود البيت وقاموا بالتفتيش بواسطة جهاز، ومن ثم فتحوا حقيبته وفتشوها، وحين انتهوا اقتادوه إلى الجيب.
تقول زوجته “للرسالة”: أخبرني الجندي بألا أخاف ولابد من أن نتواصل مع الارتباط الإسرائيلي”، مستغربة مما حدث لاسيما وأنها المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال زوجها، فهو لم يستدع يوما للتحقيق لدى الاحتلال.
أما عن صغيريها، فقد شاهد الكبير ذو الثماني سنوات والده وهو يعتقل، لكن والدته هدأت من روعه وطمأنته بأنه سيعود قريباً، بينما هي تتواصل مع المحامي والصليب الأحمر لمعرفة مكان “عبد الرحمن”، لكن حتى اللحظة لا خبر عنه.
وقبل شهر أفرج عن ظاهر بكفالة مالية بعدما كان محتجزا لأكثر من شهر لدى جهاز الأمن الوقائي بنابلس بتهمة الذم الواقع على السلطة، حيث اعتقله من أمام جامعة النجاح التي يعمل موظفاً لديها في مركز الإعلام، وحُوّل ملفه إلى اللجنة الأمنية المشتركة التي تضم ممثلين عن كل الأجهزة الأمنية.
وحقق الأمن الوقائي وقتئذ مع ظاهر على خلفية قضايا لها علاقة بحرية الرأي والتعبير التي يكفلها القانون الفلسطيني وجميع المواثيق الدولية، وعلى خلفية عمله الصحفي، منذ عام 2015، وكلها أعمال صحفية قديمة لم يسيء فيها للسلطة الفلسطينية أو يمارس القدح أو التشهير بحق أفراد أو مؤسسات.
ومن بين التهم التي وجهت للصحافي وقتئذ منشور له على حسابه الشخصي في “فيسبوك” بشأن موقف السلطة من التطبيع الإماراتي مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويعد الظاهر من الفنانين الملتزمين الذين اتخذوا مسار إنتاج الأعمال الفنية الملتزمة والهادفة ذات الطابع النقدي الاجتماعي والسياسي، ما عرّضه للملاحقة المستمرة على خلفية حرية الرأي والتعبير، تسببت في فترات مختلفة في بقائه خارج البلاد حتى يتمكن من التعبير عن أفكاره دون مضايقات، ولكنه عمل في غالبية سني عمره داخل الضفة الغربية المحتلة.
وما حدث مع الصحفي ظاهر الذي أفرج عنه من سجون السلطة واعاد الاحتلال اعتقاله بعد شهر من الافراج عنه يندرج تحت سياسة “الباب الدوار” والتي تعد أخطر ملامح التنسيق الأمني مع العدو الاسرائيلي الذي تتباهى به السلطة الفلسطينية على مرأى ومسمع الجميع قولا وفعلا، ضاربة عرض الحائط بأي اعتبارات وطنية أو أخلاقية تقدر تضحيات أبناء شعبها.
ومشكلة سياسة الباب الدوار أن السلطة و (إسرائيل)تعتقلان الفلسطينيين على ملفات واحدة، ما يعني أن هناك تنسيقا أمنيا بينهما يندرج تحته هذا النوع من تبادل الأدوار في اعتقال الفلسطينيين، فالاحتلال لم يعد يكتفي باعتقال السلطة للنشطاء، وأحيانا لا يثق بأنها قدمت المعلومات اللازمة، فيعتقل الفلسطيني مرة أخرى من أجل التحقيق.