رام الله- عربي٢١- فيحاء شلش
يمر الإعلام المحلي الفلسطيني بأزمة تعصف بالعاملين فيه؛ حيث أعلنت عدة مؤسسات إعلامية تخليها عن عدد من موظفيها تحت إطار الأزمات المالية المتعاقبة والتي زاد من حدتها انتشار وباء كورونا.
وكانت جامعة النجاح آخر من أعلن عن إغلاق فضائية النجاح وإنهاء خدمات أكثر من 17 موظفا في موقع النجاح الإخباري بسبب ما أسمته “الأزمة المالية التي تعصف بالمؤسسة”، كما أن أزمة إذاعة “أجيال” التي تعد أكبر شبكة إذاعية على مستوى الضفة الغربية طفت على سطح الساحة الإعلامية قبل أيام قليلة بعد إعلان عدد من موظفيها الاستقالة، موضحين في بيان لهم أنهم أجبروا على ذلك بسبب عدم تسلم مستحقاتهم.
فما الذي يحدث في أروقة الإعلام المحلي الفلسطيني؟
رئيس التحرير في إذاعة “٢٤ إف إم” المحلية في رام الله إيهاب الجريري أكد أن أزمة الإعلام تتمحور حول ثلاثة أسباب، أولها العدد الكبير للمؤسسات الإعلامية المحلية والذي لا يستوعبه السوق التجاري.
ويضيف لـ”عربي٢١” إن القيام بهذا الاستثمار هو مغامرة لأن السوق الفلسطيني بات ضعيفا ولا يقدر على حمل هذا العدد من وسائل الإعلام.
أما السبب الثاني فهو ضعف الرقابة من وزارة العمل وإمكانية الالتفاف على قوانينها واللعب فيها؛ ويزيد من هذه الأزمة ضعف علاقة الصحفيين بنقابتهم وعدم دعمها لتدافع عنهم في مثل هذه المواقف، بحسب الجريري.
ويرى الجريري بأن علاقة الصحفيين إذا استمرت بهذا الحال مع نقابتهم “فستبقى ضعيفة ولن تتمكن من حل مشاكلهم والدفاع عنهم”.
ويؤكد بأنه مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تأحذ حصة كبيرة من الإعلانات على حساب وسائل الإعلام الكلاسيكية.
ويشير الجريري إلى أن الإعلام الحر المستقل هو الذي يعتمد على الإعلانات؛ وأن هذه هي العلاقة الصحية الطبيعية.
وحول الأزمة الأخيرة التي عصفت بوسائل الإعلام المحلية؛ يعتبر الجريري أن للعامل الذاتي أثر كبير؛ حيث أن إدارات المؤسسات المحلية في طفرة مالية معينة تقوم بتعيين عدد كبير من الموظفين دون التحضير لأي طوارئ قادمة، وبالتالي تضطر عند أي أزمة إلى أن تتخلى عنهم حين تشعر أنهم أصبحوا عبئا عليها على المدى البعيد.
وبالنسبة لانتشار فيروس كورونا يؤكد الجريري أن دخل الإعلام المحلي خلال هذه الجائحة تراجع بنسبة ٧٠-٨٠%.
ويتابع: “إذا كانت هناك وسيلة إعلام لا تستطيع دفع رواتب موظفيها فماذا يمكنها أن تفعل؟ توقعنا أن تكون هناك تسهيلات من الحكومة ولكن لم نجد بدل الرخصة والضرائب والموجات، فنحن نريد دعم الإعلام المحلي وتقويته”.
“مجزرة بحق الصحفيين”
ولكن الصحفي الفلسطيني إياد حمد الذي فُصل مؤخرا من وظيفته في وكالة الاسوشيتيد برس، يرى أن الإعلام الفلسطيني بات في دائرة الاستهداف من عدة أطراف، وأن هناك محاولات لإسكات الصحفيين “الذين يغردون خارج السرب”.
ويقول لـ”عربي٢١” إن “رأس المال بات يحكم الإعلام، بحيث أصبحت المؤسسات مالية وليست إعلامية؛ وأنه حين تطالب بعض الأصوات بحقوق الصحفيين بشكل لا يتناسب مع رأس المال يتم التعامل مع الأمر بطريقة فصل تعسفي دون رقابة”.
ويضيف: “يمر الإعلام الفلسطيني بمرحلة خطيرة جدا، وهذا ترك الصحفيين في مهب الريح تحت سياط رأس المال وأصحاب الفضائيات والمحطات، وأصبح التقصير واضحا من وزارة الإعلام ووزارة العمل؛ لأن هناك قانونا يحكم عمل مؤسسات الإعلام ولكن للأسف يرمون القانون بعرض الحائط”.
ويوضح حمد بأن بعض الوكالات الدولية لا تتوانى عن فصل أي موظف فلسطيني لديها فصلا تعسفيا لأنها تعلم أنه لا يوجد قانون وأن مكتبها لن يغلق نتيجة ذلك؛ بينما تتعامل مع الصحفيين الإسرائيليين بشكل مختلف تماما خوفا من القانون الإسرائيلي.
ويرى بأن فيروس كورونا بات مجرد مبرر في كثير من الأحيان لدى العديد من المؤسسات الإعلامية لفصل موظفيها، ولكن المطلوب بالأساس هو “إسكات الصوت الحر”، واصفا ما يحدث بـ”المجزرة بحق الصحفي الفلسطيني الذي بات في مهب الريح دون دعمه من نقابة أو مؤسسات أو قانون”.
ويتابع: “تم فصلي من وظيفتي عبر الهاتف، ورفضت إدارة الوكالة الاعتراف بأن هذا الفصل تعسفي، فلو كانت وزارة العمل ذات دور قوي لأوقفت عمل الوكالة فورا ولوقفت مع الصحفي”.
ويؤكد الصحفي على أنه من الضروري أن يكون هناك جسم صحفي قوي يدافع عن الصحفيين؛ فالمستشفيات ذات الدور الهام أضربت عن العمل بسبب حالات اعتداء على أطباء، “ولكن الصحفيين يتعرضون لمجزرة حقيقية دون أن يتم اتخاذ أي موقف”.
ويضيف: “يوجد من يتآمر على الصحفيين من داخل الجسم الصحفي وهذا ما حصل في قضيتي، الصحفي الفلسطيني أصبح بين مطرقة وسندان الاحتلال والسلطة مع الأسف، أصعب شيء أن يحارب الصحفي في لقمة عيشه”.
“رأس المال”
عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين عمر نزال يؤكد أن التخوفات التي يعيشها الصحفيون باتت تطبق على أرض الواقع لعدة أسباب؛ أولها سيطرة الإعلانات على وسائل الإعلام لدرجة أن أجندة وسيلة الإعلام أصبحت تحددها الجهة الممولة بكيفية كتابة وتحرير وتقديم الأخبار، وهذا واحد من المخاطر التي تتهدد الإعلام الفلسطيني.
ويقول لـ”عربي٢١” إن وسائل الإعلام باتت تنصاع لدرجة كبيرة لأجندة المعلنين الذين هدفهم الأساسي هو مصالح شركاتهم، مبينا أن “المنافسة العالية من وسائل التواصل الاجتماعي باتت أيضا تأخذ الحصة الأكبر من الإعلانات في دولة صغيرة مثل فلسطين التي كل ميزانية الإعلام فيها لا تتعدى ٤٠ مليون دولار، وتذهب النسبة الأكبر منها لوسائل التواصل على حساب وسائل الإعلام المحلية وهذا خطر جديد يجب معرفة كيفية التعامل معه”.
ويرى بأن جائحة كورونا أضافت عبئا جديدا على وسائل الإعلام بحيث انخفض الدخل أكثر نتيجة سوء الوضع الاقتصادي؛ وباتت تتخذ وسائل الإعلام المختلفة إجراءات بحق الصحفيين سواء من خلال تقليص رواتبهم أو إنهاء عملهم.
ويبين بأن الصحفي الفلسطيني كان كذلك ضحية التطورات السياسية الأخيرة؛ بحيث لم تعد فلسطين مركز الحدث أو الاهتمام العربي والعالمي؛ وبالتالي أصبحت وسائل الإعلام العربية والأجنبية تستغني عن الصحفيين الفلسطينيين، وهذا كله يلقي بظلال كثيرة على واقع العمل الصحفي في فلسطين وعلى عاتق النقابة والمؤسسات وكل الجهات الرسمية الفلسطينية.
ويضيف: “نتابع كنقابة بقلق شديد ونقدم ما يمكننا تقديمه من خلال البحث عن حلول بين الصحفيين ووسائل الإعلام التي تجحف بحقهم أو تتخذ إجراءات بحقهم؛ ونحن ننجح أحيانا ولكن في أحيان أخرى لا ننجح ما يضطرنا للجوء للقضاء”.
ويعرب نزال عن اعتقاده بأنه يجب على المستوى الرسمي أخذ دوره في دعم الصحفيين المتضررين من الجائحة كما تم دعم كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى.
ودعا نزال الصحفيين إلى عدم القبول بالعمل دون الاستناد لقانون العمل واشتراط ذلك لدى المؤسسات الإعلامية المختلفة التي باتت لا تكترث لهذا القانون.
ويوضح بأن جزءا كبيرا من الصحفيين يعملون دون استناد لقانون العمل أو وجود عقود عمل منظمة بينهم وبين صاحب العمل؛ وهذا نتيجة البطالة في سوق العمل خاصة لو كان الصحفي حديث التخرج فهو يقبل بأن يعمل بشروط غير قانونية ويستغل أصحاب العمل هذه المسألة وهي إخضاع الصحفيين لفترات تدريب طويلة أو الإجحاف في شروط العمل.