توفيق أبو شومر
لماذا يغتالون الإعلاميين؟
الإعلام الصهيوني ليس ناقلا للحقائق والأخبار، بل هو إعلامٌ مُزيِّف ومُزَيَّف، نحتَ شعاراتٍ مُضلِّلة، “أرضٌ بلا شعب، لشعبٍ بلا أرض” “الأرض الموعودة” أعداء الجنس السامي”. ظلَّ الصهيونيون يعتبرون الإعلاميين المنافسين لهم لدحض روايتهم المُضلِّلة ألدَّ أعدائهم، لأنهم قادرون على كشف زيفهم، وإبطال نقطة تفوقهم، اعتمد منظرو الصهيونية احتكار الإعلام، وفرض الهيمنة عليه، ووضعوا استراتيجية رئيسة له وهي (تسخير الإعلام لتزييف التاريخ وإعادة كتابته من جديد)!
لا غرابة في أن المحتلين الإسرائيليين يعمدون في كل عدوان إلى تصفية الإعلاميين، وقصف مقرات وسائل الإعلام، واعتقال الصحفيين، كما حدث في آخر عدوان على غزة، بدأ يوم 10-5-2021م، حين اغتالوا الصحفي، يوسف أبو حسين في غرفة نومه، فقد أدرك الصهيونيون الأوائل، وبخاصةٍ زعيمهم، الصحفي، تيودور هرتسل، بأن مَن يملك مفاتيح الصحافة والإعلام قادرٌ على قيادة العالم وتوجيهه!
جرَّب الصحفي، هرتسل تأثير الصحافة حينما حدثت قضية الضابط اليهودي الفرنسي، ألفرد درايفوس: “كان درايفوس، ضابطا في سلاح المدفعية الفرنسي، اتُّهم بأنه جاسوسٌ للسفارة الألمانية في باريس، حكم عليه القضاءُ الفرنسي بالأشغال الشاقة المؤبدة والنفي إلى جزيرة، الشيطان، قبل المؤتمر الصهيوني الأول بثلاث سنوات، عام 1894م.
جرى تبرئة، درايفوس من التهمة عام 1906م، أعيدت له رتبته العسكرية، بفضل الحملة الإعلامية التي أسهم فيها، هرتسل، والكاتب الفرنسي، إميل زولا!
استغلَّ الصحفي الفرنسي اليهودي، تيودور هرتسل، هذه الحادثة، ليعلن نظريته، وهي (إن الشفاء من داء اللاسامية لا يتحقق إلا بتأسيس دولة لليهود) وألف كتابه، الدولة اليهودية. وصولا إلى المؤتمر الصهيوني الأول 1897م.
شرع اللوبي الصهيوني الإعلامي في تأسيس البنية الإعلامية الصهيونية، وفق استراتيجيات أساسية، بدأت بغزو الأدب العالمي الروائي غزوا إعلاميا، مثل رواية، دانيال ديروندا، للروائية، ماري آن إيفانز، باسمها المستعار، جورج إليوت، 1876م، وهي الرواية التي بشرت بإسرائيل قبل الصهيونية، فتولى منظرو الصهيونية، ترجمتها إلى لغاتٍ كثيرة، ثم سوَّقوها إعلاميا، ثم انتقلوا إلى غزو الدين المسيحي باستخدام السلاح الفتاك (الإعلام)، مزجوا المسيحية بالصهيونية، في التيار الإنجيلي، في عقيدة الماسيح، والماشيَّح في أرض الميعاد.
أدرك الفلسطينيون منذ النكبة أهمية الإعلام في مواجهة التضليل الصهيوني، لذلك شرع الفلسطينيون في تأسيس بُنيتهم الإعلامية الفلسطينية، فلا غرابة حين أصدر، أحمد الشقيري قرار بتأسيس البنية الرئيسة للإعلام الفلسطيني، أو، عقل فلسطين، عام 1965م المتمثل في مركز الأبحاث الفلسطيني، لأجل مركز ذلك شرع أباطرة إعلام التضليل الصهيونيين في وضع خطط هدفها تصفية الباحثين، وتدمير المركز بالكامل، بعد سرقة محتوياته 1983م.
ظلَّ المحتلون الصهاينة يعتبرون الإعلاميين أشد خطرا من العسكريين والسياسيين، فقد اغتالوا غسان كنفاني، ووائل زعيتر، ومحمود الهمشري، وكمال عدوان، وكمال ناصر، وأبو يوسف النجار، وماجد أبو شرار، وحنا مقبل، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لأنهم كانوا يملكون قدرات إعلامية فائقة، استطاعوا بها أن يفككوا التضليل الإعلامي الصهيوني، ويكسبوا الرأي العام العربي، والدولي، تمكنوا بالفعل من اكتساب جماهيرية تنويرية عالمية! كذلك لم يكن سببُ اغتيال، عاطف بسيسو، وهايل عبد الحميد، وأبو جهاد، وفتحي الشقاقي، والشيخ أحمد ياسين، وأبو على مصطفي، وياسر عرفات، هو أنهم قادة عسكريون فقط، بل لأنهم قادة إعلاميون!
سيظل الإعلاميون الفلسطينيون في ألفيتنا الثالثة أهدافا عسكرية إسرائيلية بالغة الخطورة، لأن عصرنا الراهن هو عصر التوجيه، والتأثير، والتغيير الإعلامي!