من وسط مدينة رام الله، وفي مشهد غير مسبوق، لا يُرى فيه غير مشاهد الضرب والسحل والتكسير، وحجارة وهراوات تنهال على رؤوس متظاهرين خرجوا رافضين لجرائم القتل المتعمد.
وفي وسط ما يحدث، يحاول الصحفيون نقل الحقيقة بكل تفاصيلها، فيجدون أنفسهم في دائرة الاستهداف من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، كما لو أنهم من يقود المتظاهرين.
“اعتداء وشتائم، اختناق وضرب وتهديد للصحفيين”، هذا ما يحدث أثناء تغطيتهم للمظاهرات المنددة باغتيال المعارض السياسي نزار بنات وسط المدينة، فالصحفي بات يعود إما للمستشفى أو بدون كاميراته وهاتفه المحمول.
ورغم تعرض عدد كبير من الصحفيين للاستهداف، لوحظ وبشكل متعمد قيام عناصر الأجهزة الأمنية والعناصر الأمنية المنتشرة باللباس المدني وأفراد محسوبون على حركة فتح، باستهداف واضح ومقصود للصحفيات العاملات في الميدان، وذلك بهدف إرهابهن وثنيهن عن مواصلة المشوار الصحفي.
مشاهد مؤلمة
ووثقت وكالة “صفا” شهادات لصحفيات تعرضن للضرب والتنكيل والتهديد، خلال يومين من المظاهرات برام الله، كان الهدف منها قمع الصحفيات بطريقة مرعبة.
الصحفية فيحاء خنفر تقول لوكالة “صفا”: “كنا نصور طليعة المسيرة في الشارع المؤدي لمقر الرئاسة، واصطدمنا بجدار من الأجهزة الأمنية، خلفهم الكثير من المركبات، وبشكل مفاجئ انهالت على رؤوسنا الحجارة وزجاجات وقطع خشبية، ثم هاجمنا العشرات منهم بغتة وهم يحملون العصي والهراوات، وكان استهداف الصحفيين واضحًا”.
وتضيف “لجأنا لطريق فرعي مرتفع، فهاجمني عنصر أمن بلباس مدني وضربني وحاول سرقة هاتفي وأخذ يشدني من ملابسي باتجاه منطقة المواجهة، حتى استطاعت فتاة تخليصي منه”.
وتتابع “بعد ذلك تدخلت القوات باللباس العسكري وأطلقوا القنابل الغازية والصوتية، وبات الوضع أصعب بعد أن تعرضت لاختناق، وسارعت بالانسحاب مع قيامي بتصوير مشاهد الضرب والسحل للمتظاهرين، وشعرت بأن شخص يراقبني ولحقني بسرعة وسرق هاتفي بقوة بعد أن ضربني”.
وتواصل خنفر سرد تفاصيل الاعتداء، قائلة :”لحقت به لاسترداد الهاتف وعندها هاجمني عناصر من الخلف وقاموا بضربي من عدة مناطق وسط حالة من الإرباك، وقعت على الأرض بعد توالي الضربات من الخلف وأغمي علي للحظات، حتى استطعت الانسحاب وتوجهت للمستشفى للعلاج”.
وتشير إلى أنها حاولت استرداد هاتفها والسؤال عنه للعناصر الأمنية، فقابلوها بالاستهزاء، لافتة إلى أن هاتفها محتجز لدى جهاز المخابرات العامة.
وتؤكد خنفر أنها وخلال الحادثة شهدت مشاهد خطيرة ومرعبة جراء حالات الاعتداء والقمع والتنكيل.
استهداف متعمد
أما الصحفية جيهان عوض، فتقول لوكالة “صفا” :”توجهنا لتغطية مسيرة أول أمس برام الله، باللباس الواقي للرصاص وعليها شارات الصحافة، ورغم ذلك ألقى عنصر أمني بلباس مدني حجر كبير كاد أن يقتلني، وسط إلقاء القنابل الغازية والصوتية”.
وتضيف “بعد تصويري مشاهد لاحقوني لسرقة هاتفي وطاردوني في الشوارع، لكني استطعت الهروب”.
ووثقت عوض مشاهد فظيعة للسحل والضرب وسط ملاحقة كل حركة، مبينة أن التركيز أكثر في ملاحقتهم واعتداءاتهم كان على الصحفيين.
وتتابع “كل العيون كانت علينا.. ترقب عناصر الأجهزة الأمنية حركاتنا وحركة هواتفنا .. كنا ملاحقين أكثر من المتظاهرين أنفسهم”.
وفي اليوم الثاني- وفقًا لعوض- هاجمت العناصر الأمنية باللباس المدني الوقفة المنددة بمقتل بنات على “دوار الساعة” برام الله، وتم خلالها حجب الصوت الطبيعي بإدخال مكبرات صوت ضخمة للتغطية على أصوات الضرب والسحل والهجوم، كما حجبوا الصورة.
وتبين أن العناصر الأمنية قامت بحشر جميع الصحفيين في زاوية قرب الدوار وهددوا بتكسير الكاميرات ومصادرة الهواتف المحمولة، بعد أن اعتدوا بالضرب على صحفيين وكسروا كاميراتهم.
وتواصل حديثها “في تلك اللحظات كان مئات العناصر ينكلون بالمواطنين الذين شاركوا في الوقفة المنددة بمقتل بنات ويسحلونهم في الشوارع من زاويا أخرى، دون قدرتنا على التصوير أو حتى الحركة من المكان، وكل من يحاول الحركة أو التصوير يقومون بتهديده أو شتمه، مع الاستمرار في محاصرتنا بعشرات العناصر”.
وتلفت عوض إلى أنها “اتصلت بالمتحدث باسم الشرطة وطالبته بتوفير حماية للصحفيين الذين يتعرضون للتهديد، لكن دون تجاوب منه”.
وتقول: “في هذا الموقف يريدون منا أن نكون كشاهد زور، وأن لا ننقل مشاهد الضرب والسحل والتنكيل، وأن ننقل صورة مغايرة لما يحدث، توحي بالتوافق والوحدة .. هذا مؤلم وموجع لنا أن ننقل عكس الحقيقة”.
وأما الصحفية شذى حماد، فتقول لوكالة “صفا”: “في الوقت الذي تقدمت فيه قوة مكافحة الشغب، ضربوني بقنبلة غازية في وجهي بشكل مباشر، ما تسبب بجروح تحت العين، نقلت على إثرها للمستشفى”.
وتضيف “تعرضت لإلقاء حجارة من عناصر يلبسون الزي المدني، تهجم أحدهم علي وحاول سرقة هاتفي ولم يستطع فأسقطه أرضًا وحطمه”.
وترى حماد أن هذه الاعتداءات تأتي في إطار ممنهج بحق العمل الصحفي، وحلقة من حلقات حجب الصورة، بدءًا بقانون الجرائم الالكترونية وحجب المواقع، ومرورًا بالاستدعاءات والملاحقة والتهديد واعتقال الصحفيين، وانتهاءً بقمعهم والتهجم عليهم وضربهم، كل ذلك لعرقلة العمل ومنع توثيق الأحداث.