أقلام حرة

وحدة الجسم الصحفي أولى من انتخابات شكلية!

محمد إسماعيل ياسين
كاتب صحفي

لا تعكس خطوات نقابة الصحفيين الفلسطينيين الراهنة حرصاً على وحدة الجسم الصحفي الفلسطيني، بل على العكس من ذلك، إذ تمضي في سبيل تعزيز الشرخ وتفتيت الجسم الصحفي في إطار السعي لحماية مصالح شخصية وحسابات حزبية بعيدة كل البعد عن هموم ومصالح الصحفيين، الأمر الذي يدعو للأسف والأسى بذات الوقت، فضلاً عما يشكله من طعنة نجلاء في خاصرة الحركة الصحفية الفلسطينية وما قدمته وتقدمه من تضحيات جسيمة في ظل الاستهداف الإسرائيلي المعتمد والشرس للإعلام الفلسطيني بكل مكوناته.

إن المؤتمر الاستثنائي الذي جرى عقده مطلع العام الجاري ظاهره الاستجابة لمطالب مؤسسات وأطر صحفية، وباطنه سلق تعديل النظام الداخلي للنقابة وإقرار نظام انتخابي يكرس واقع احتكار النقابة، خاصة أن ملف العضوية لم يخضع لرقابة لجنة مهنية مستقلة، إذ شاب المؤتمر تجاوزات وخروقات أخرجته عن سياق التوافق بين الأطر والمؤسسات الإعلامية، وأفقدته الشرعية المطلوبة، الأمر الذي يدحض ادعاءات الحرص على لغة الحوار والتوافق، ويظهر رغبة تكرار تجربة انتخابات عام 2012، وبالتالي تكريس واقع شرذمة الوسط الصحفي وإهدار فرصة جديدة للم الشمل الصحفي وجمع صف الصحفيين خلف نقابة مهنية تمثل الجميع.

ويبدو أن النقابة تأبى أن تخيب توقعات من راهنوا على مضيها قدماً بنهج التفرد، مهدرة بذلك فرصة جديدة لإعادة الاعتبار لبيت الصحفيين الجامع وتعزيز تمثيل النقابة للصحفيين باختلاف أطيافهم وتوجهاتهم، فاتحة المجال لمزيد من البعد والنفور من النقابة والانفضاض عنها في ظل انتصار القائمين عليها للحسابات الفئوية والحزبية على حساب مصالح الصحفيين وآمالهم وطموحهم بواقع مهني يضمن حقوقهم وينهي سنوات عجاف سادها النفس الحزبي المقيت وغابت المهنية والعمل النقابي الجامع.

ومع ذلك، فلازالت الفرصة سانحة أمام القائمين على النقابة لإعادة النظر في خطواتهم المفتقرة لروح المسؤولية والبعيدة عن الحس الوطني والاستماع لمطالب الصحفيين والصحفيات من مختلف المشارب والتوجهات، والكف عن الغرق في الحسابات الخاصة، فالتاريخ لا يرحم، ووحدة الجسم الصحفي أهم وأولى من أي اعتبار أخر، والخير كل الخير في التوافق وتغليب وحدة الجسم الصحفي، والخسارة كل الخسارة في التمترس خلف المصالح الخاصة والحسابات الحزبية التي ذاق مرارتها فرسان الإعلام الفلسطيني على مدار سنوات طويلة، فلا يتوهم أحد أن بإمكانه خداع الصحفيين بسلامة إجراءات عقد المؤتمر الاستثنائي والانتخابات المزمعة.

إن الصحفيين أمام فرصة لإصلاح النقابة وانتزاع حقهم بانتخابات نزيهة، ولا ينبغي أن تهدر هذه الفرصة بحال من الأحوال، لاسيما أن السماح بإجراء الانتخابات وفق الخطوات الراهنة لا يعني سوى تكريس الواقع الراهن بما يفتح المجال واسعاً لاستمرار معاناة الصحفيين وتشرذمهم لعقد آخر من الزمن، بل إن ذلك مما يزيد الفجوات بينهم وبين بيتهم المهني الجامع أو المفترض أن يكون كذلك، فلا ينبغي أن تستمر حالة اللامبالاة تجاه إصلاح البيت المهني، فهذه الحالة يجيد البعض استثمارها جيداً لتحقيق مصالحهم الفئوية على حساب الصحفيين الذين يدفعون الثمن وحدهم لاحقاً، ولا ينبغي أن يكون هذا واقع الصحفيين في ظل انتصارهم لقضايا المجتمع والوطن، وفي ظل تضحياتهم المتواصلة والاستهداف الشرس لهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن الملاحقات لهم بأشكال مختلفة بين الحين والآخر.

ومما لا شك فيه أن وجود نقابة مهنية قوية يلتف حولها فرسان الإعلام الفلسطيني ضرورة وطنية ونقابية ومهنية تتطلب تضافر الجهود المخلصة والجادة عبر انتهاج سبيل الحوار الصادق والتوافق القائم على اعتبارات مهنية صرفة بما يكفل إنجاز انتخابات نزيهة وشفافة وفق الأصول الديمقراطية والأعراف النقابية، وينُهي حقبة سادها نهج إدارة الظهر لمطالب الصحفيين العادلة بمعالجة ملف العضوية وغيره من إشكاليات رافقت النقابة على مدار سنوات عديدة، وغير ذلك لا يعدو كونه تغليباً لمصالح ضيقة لبعض الصحفيين على الأبعاد الوطنية والقيم النقابية، وبخساً لحق مئات الصحفيين الذين خبرتهم ميادين المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى